التقوى ، ولذا عقّبه تعالى بما قبله من تقوى الله والأرحام. أما إطلاق لفظ اليتامى عليهم بعد بلوغهم الرشد وبعد تسليمهم أموالهم ، فهو مجاز جاء باعتبار قربهم من حالة اليتم التي كانوا عليها. ولذا قال صلىاللهعليهوآله : لا يتم بعد الاحتمام. ولكن ذلك كقوله سبحانه ؛ وألقي السّحرة ساجدين ، مع عدم بقائهم سحرة حينما آمنوا وكانوا ساجدين ؛ إذ سجدوا بعد إنكار السحر ، وبعد إيمانهم إيمانا قلبيا. وقولهم بعد سجودهم : آمنا برب العالمين كان أخبارا عن إيمانهم قبل السجود. وفي هذا المقام نبهنا سبحانه الى أمور أخلاقية وإنسانية وشرعية لطفا منه تعالى بنا كما أن سائر شرائعه لطف ورحمة بعباده ، وسيشرع لليتامى أمورا غير هذه نتكلّم عنها في محلها إن شاء الله تعالى.
فقد شرع الله تعالى لأموال اليتامى شرعا ، نظرا الى أنهم ليتمهم أحوج ما يكونون للعناية ، فيجب صيانة أموال كل مسلم ومسلمة بحكم الشارع في كل حال. وهذا أمر يحكم به العقل والوجدان ولا يحتاج الى إقامة برهان.
هذا أولا. والأمر الثاني أنه يجب تسليم الأيتام أموالهم بعد بلوغهم ورشدهم ، لأن كل إنسان أولى بماله وأكثر حفظا له من غيره. فلربما نما ماله في يده بتجارة أو صناعة أو زراعة أو غيرها ، بخلاف ما لو كانت في يد الغير راكدة ساكنة لا تتحرّك ولا يعمل بها عملا يدرّ الربح ، بل قد تنقص أيضا إذا صرف منها على صاحبها.
أما الأمر الثالث فهو نهيه تعالى للأوصياء أن يخلطوا أموالهم بأموال اليتامى ، فإن أهل الجاهلية كانوا يضيفونها الى أموالهم الرديئة وبعد ذلك قد يقسمون لليتامى وقد يأكلون أموالهم بالباطل ، ولعل هذا هو المراد بقوله سبحانه : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ) أي المال الحرام الذي حرم بالكسب أو بأكله من أموال اليتامى (بِالطَّيِّبِ) من الأموال التي أحلّها الله عليكم. فالمراد بالخبيث والطيب ، الحلال والحرام ، ويحتمل أن يكون المراد بهما