غيره ، وحيث لا تتم راحة شخص إلا بتمام راحة من سواه ، فيكون المجتمع مجتمع أخوة ، كلّ منهم أخ رفيق شفيق يساير الناس ، وبأية عشيرة أو قوم أو جنس كانوا. فعليكم ـ أيها البشر بصلة الرحم التي تؤمن المجتمع الصالح (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أي أنه جلّ وعلا يراقبكم في أمر صلة الرحم ، فانتبهوا لئلا يفوتكم منها شيء. وهذا ترغيب من جهة ، وتهديد من جهة ثانية ، وهو يشير الى غاية اهتمامه تعالى بصلة الرحم وعدم رضاه بتركها ، لأن صلتها ـ فضلا عما ذكرنا ـ تطيل العمر وتجلب الرزق كما ورد في الأخبار الشريفة ، بل تجلب رضاه عزّ اسمه.
٢ ـ (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ .....) أي إذا بلغوا الرّشد ، وهو الاهتداء الى المنافع والمضارّ والاستقامة على الطريق الحق والاعتدال في الأمور. وجميع هذه المعاني من مصاديق الرشد وإن كان يفرّق بينها أو يحمل عليها بحسب الموارد ... واليتامى : جمع يتيم وهو من فقد أبوه ، وكان لم يبلغ مبلغ الرجال ، ومن فقدت أمّه فهو : لطيم. واليتيم أيضا يطلق على من فقدت أمه من البهائم ، وله معان آخر ، كاليتيم الذي هو المفرد من كل شيء ، إذ يقال : بيت يتيم ، وقرية يتيمة ، وكل شيء يعزّ نظيره كالدّرة اليتيمة أي الثمينة التي لا نظير لها. وبهذا اللحاظ كله كثيرا ما يطلق على نبينا محمد صلىاللهعليهوآله لفظ : يتيم. ولهذا المفرد جموع كثيرة :
كيتامى وأيتام ويتمه وميتمه ويتائم.
وفي هذه الآية الشريفة أمر بإيتاء الأيتام أموالهم إطلاقا ، أي سواء أبلغوا الرشد أم لا ، لكن بقرينة قوله عزوجل : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) ، يقيّد الإيتاء بالبلوغ الرشدي ، فإن القرآن يفسر بعضه بعضا. والمراد بمؤانسة الرشد هو العلم الوجداني ... والخطاب في الآية موجّه لأوصياء اليتامى ، وهو يعني : أن لا تمنعوها عنهم فأعطوهم في حال صغرهم بالإنفاق عليهم اقتصادا ، وفي حال كبرهم ـ مع حصول الرشد ـ بالتسليم إليهم تمام الأموال وكمالها. وهذا باب آخر من أقسام