بقوله تعالى في خطاب : يا أيها الناس ، وقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ، ثم ضمائر الجمع التي تأبى من التبعيض من أول هذه السورة الى آخرها وفي السّور السبع التي ذكر فيها هذه القصة. ولم يتعلق الغرض هنا بذكر ما تقدم بعينه تأكيدا له بما ذكره ، بل ببيان معنى تأسيسيّ ؛ أي حال خلق الناس في التدرّج من خلق النفس الواحدة ، الى خلق زوجها ، الى بثّ الكثير من نسلهما الذي هو الناس الذين نتجوا بالتناسل التدريجيّ.
هذا ، والجواب الأحسن الذي يفحمه فيما ارتاه وحسبه إشكالا قد أتى فيه بشيء بديع ذكره لأستاذه مفتخرا بعبقريته ، هو أن قوله تعالى : رجالا كثيرا ، مع : وبث منهما الرجال والنساء ، لا يفرّق بينهما في الشمول لأن : كثيرا ، لفظ مقول بالتشكيك يطلق على كل مرتبة من مراتب العدد ، فإذا وصل بنو آدم الى مئات الآلاف أو المليار أو أزيد ، فإنه يطلق عليهم أنهم عدد كثير ، أما ما دون ذلك بواحد فإنه يطلق عليه القليل بالنسبة الى ما فوقه ، فالكثرة والقلة مما هو مقول بالتشكيك ، ولهما مراتب عديدة يتدرّجان معها في العدد الى ما شاء الله. كما أن الرجال والنساء بمقتضى عموم الألف واللام كذلك يطلقان على الرجال والنساء الى النهاية. نعم إذا لم يتّصف الرجال بالكثرة والنساء كذلك ، فمن الممكن أن يفرّق بين الرجال ورجال ، ولكنه بعد الاتصاف لا يفرّق الحال بينهما من ناحية الشمول. فترنّم الأستاذ بإشكالاته المقترحة تكشف عمّا لا يحتاج الى البيان ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ..... ثم إن ترنّم التلميذ بآراء أستاذه قد جرّه الى الترنّم بقوله أن المتبادر الى الذهن من كلمة : النفس ، أنها هي الماهية والحقيقة التي كان بها هذا الكائن الممتاز ، أي : خلقكم من جنس واحد وماهية واحدة ... وتقريره هذا ليس في محلّه. بيان ذلك أنه يرد عليه بأننا لو كنّا وكلمة النفس فقط ، فإن العقل ينتزع منها عند التحليل جنسا وماهية كلية ، إلّا أن الآثار الخارجية ـ كالخلق منها ـ لا تتعلق إلا بالفرد الخارجيّ ، وإذا قيدت بالوحدة امتنع احتمال التعدد فيها. فالذي يفهم من النفس الواحدة هنا ليس إلا الفرد الخارجي الواحد بالشخص. ثم نسأل هذا