الروايات إما أن تكون عامية غير صحيحة السند أو أنها لم تصلنا بحقيقة لفظها ومعناها ، وإن كانت رواية تزويج شيث (ع) بالجنّيات لا بعد فيها ، مع أنها لا تنهض دليلا في مقابل رواية الحوراء .. والمدار هنا على كيفية بثّ النسل وانتشاره على وجه الأرض ، فإن زواج الحوراء من الإنسيّ لا ينفيها العقل من حيث صلاحيتها للتناسل بمشيئة الله وقدرته. فالحاصل أن ما يطمئن إليه القلب هو ما جرى به القلم كما قال به الناطق بالحق صلوات الله عليه.
أما القول بأن آدم (ع) زوّج بناته وأبناءه ، بأبناء وبنات آدم آخر كان قد سبقه في الوجود على وجه هذه الأرض بآلاف السنين ، وكان نسله قد انقرض تقريبا قبل وجود آدمنا نحن ـ كما دلّت على ذلك بعض الروايات ـ أما هذا القول فبعيد غاية البعد ولا يمكن الاعتماد عليه لأنه لو كان لبان بيانا واضحا ولتناقلته الألسن على مرّ الزمان.
وللشيخ محمد عبده كلام في تفسير «النفس» من هذه الآية ، نقله عن أستاذه ، ومفاده أنه ليس المراد هنا بالنفس الواحدة آدم ، لا بالنصّ ولا ظاهرا ، ويردّ رأيه الى أن ذلك معلوم مما تقدّم من الآيات وغيرها ومن تواتر الحديث وإجماع المسلمين. وقد بدا لنا أن نذكر رأيه هنا لنبيّن وهمه ، وأن نورد له كلاما آخر يظهر منه بشاعة رأيه لتابعيه ، وهو أن القرينة هنا لا تدل على أن النفس الواحدة هو آدم ، بدليل قوله تعالى : (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) بالتنكير ، والمناسب على هذا الوجه أن يقول : وبثّ منهما جميع النساء والرجال. ويردّ هذا الزعم قوله تعالى : منهما ، يعني من آدم وحوّاء عليهماالسلام ، بل يردّه ما ذكر في القرآن الكريم ـ في موارد متعدّدة ـ من أن أول البشر الذي وجد على وجه الأرض وسمّي بالإنسان هو آدم (ع) الذي هو أبو البشر كله ، والذي زوّجه الله تعالى حواء أم البشر ، حتى اليوم وحتى قيام الساعة ، والحقّ أحقّ أن يتّبع دون كل قول .. وثانيا : إن المناسبة لا تنحصر بما اقترحه ، لأن ما ذكره من بث جميع الناس من آدام قد تقدم