وانصرفوا (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) مع أنك صاحب الرأي السديد ولك الأمر والقول الرشيد والفعل الحميد ، ومهما سموا وعلت أفكارهم فإنهم يفتقرون الى رأيك ويغترفون من فيضك ، ولكن مشاورتهم من الخلق الكريم وحسن التدبير ، ومن باب الاطّلاع على ما عندهم. وإن ما يجري عند وضع النّظم والدساتير وما يدور في المجالس النيابية هو من بحر هذه التعاليم السامية في كتاب الله الكريم ... وهي تحمل أيضا معاني تطييب نفوسهم بمشاورتهم ، واقتداء الأمة بنبيها في المشاورة بالأمور الهامة ، وإجلال أصحابه (ص) ، وامتحانهم لتمييز نصحهم أو غشهم ، والاستعانة بآرائهم في الحرب كما في حفر الخندق (فَإِذا عَزَمْتَ) أي عقدت النية في قلبك على الفعل. ورووا عن الصادق عليهالسلام وعن جابر بن يزيد قراءة عزمت بالضم ، أي عزمت لك وأرشدتك ووفقتك (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي : ثق بالله وفوّض أمرك اليه (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) أي المفوضين أمرهم اليه والمعتمدين عليه في حسن تدبيره. وفي الآية الشريفة دلالة على علوّ أخلاق نبينا صلىاللهعليهوآله ورفيع أفعاله ، فإنه (ص) من أشرف خلق الله في حين أنه من أشدّهم تواضعا فهو يخصف النعل ويركب الحمار ويجلس على الأرض الى جانب الكبير والصغير ... وفي الآية أيضا ترغيب للمؤمنين في العفو عن المسيء وحثّ على الاستغفار وعلى مشاورة بعضهم بعضا ، ونهي لهم عن الفظاظة والغلظة ، ودعاء لهم الى التوكل على الله عزوجل.
١٦٠ ـ (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ ...) أي يجعلكم منتصرين ظافرين على من ناوأكم من أعدائكم (فَلا غالِبَ لَكُمْ) أي لا يقدر أحد أن يغلبكم وإن كثر أعداؤكم أو قلوا (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) أي يمنع عنكم معونته ويخلّي بينكم وبين أعدائكم بمعصيتكم إياه (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) فمن غيره تعالى يجيركم ويظفركم بأعدائكم ، لأن الهاء في : بعده ، ترجع الى اسم الله تعالى ، والمعنى مبنيّ على حذف المضاف أي : من بعد خذلانه. ولفظة : من ، ها هنا تفيد التقرير بالنفي ، وقد جاء بصورة الاستفهام وهو