لا معادلة بين الدّرة والبعرة ، ولقد ضرب الله تعالى أسمى مثل في هذه الآية الكريمة لمن يفر من الجهاد خوف الموت وطمعا في العيش ، وينسى مغفرة الله تعالى ورحمته وحسن جواره مع الشهداء والصالحين.
١٥٨ ـ (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ ..) أي إذا متم في منازلكم ، أو في طريقكم الى الجهاد ، أو في معركة القتال : أو على أي وجه كان موتكم (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) فبعثكم وحشركم ونشركم الى الله تعالت قدرته ، ومرجعكم اليه. وقد جاء وعده سبحانه لهم بذلك مؤكدا بلامي القسم ، لكيلا يكون عندهم شك بالوقوف بين يديه ليثيب المحسن ويجازي المسيء.
١٥٩ ـ (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ ...) حرف : ما ، مزيد هنا على قول صاحب التبيان. وقال : إنما جاءت مؤكدة للكلام. وصدّقه صاحب مجمع البيان وقال : عليه إجماع المفسّرين. أما الإجماع فمنقوض بقول عدّة من كبار هذا الفن. وبيان ذلك عندهم أن : ما ، في الآية الكريمة جاءت بمعنى : أي ، أي : فبأي رحمة من الله. وحكى ابن هشام عن جماعة هذا المعنى ولكنه لم يوافقهم. ونقل ذلك في حاشية المغني عن أبي البقاء عن الأخفش وغيره ، وحكى نقله عن ابن كيسان. وقال السيد الرضي في حقائق التأويل : ولأبي العباس المبرّد مذهب أنا أذهب اليه وهو أنه ليس شيء من الحروف جاء في القرآن إلا أن له معنى مفيدا. ثم قال رحمهالله تعالى : إن : ما ، معناه التفخيم لقدر الرحمة التي لان بها لهم. ومرجعه الى ما مال اليه حسين المغربي ، وما اختاره الرازي يرجع اليه أيضا. والمقصود أن : ما ، وردت هنا لإفادة التفخيم مثل : أي ، المفيدة له أيضا كقولك : أي رجل هذا! ... وأية نعمة هذه! ... وإن من ذكرناهم هنا من هؤلاء الأعلام قد تقدّموا ، هم ومقالاتهم ، على مجمع البيان ، وهم أساطين الفن وصيارفة اللغة.
والحاصل أن معنى الشريفة : فبرحمة عظيمة كائنة عندك من الله (لِنْتَ لَهُمْ) عاملتهم باللين واللطف (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) أي جافيا قاسي الطباع (غَلِيظَ الْقَلْبِ) شديدة وخشنه (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) أي تفرّقوا عنك