على الجهاد فلا يمتنعون خوف القتل والموت ، فليس كل من يتخلف يسلم من الموت ، ولا كل من يذهب الى الجهاد يقتل ، لأن الإحياء والاماتة بيده تعالى ، فلا موت لمن قدّر له حياة ولا حياة لمن قضى عليه بالموت (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي مبصر يرى كل ذلك بالتفصيل وهذا يتضمّن الترغيب في الطاعة والحث على الجهاد ، والترهيب من المعصية وعدم الفرار من الجهاد وخوف الموت.
١٥٧ ـ (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ ..) أيها المؤمنون إذا كتب لكم القتل (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طريق الدعوة الى كلمة الله (أَوْ مُتُّمْ) وأنتم تقصدون مجاهدة الكفار والفوز بالشهادة وأصابكم الموت قبل إدراك ما أملتم فقد وقع أجركم على الله وكتبت أسماؤكم في ديوان الشهداء ونلتم ما ينالون ودخلتم فيما يدخلون من رفيع الدرجات في الآخرة لمن يقتل في المعركة أو يقتل سائرا إليها بكل جوارحه ليدحر كلمة الكفر. وقد قال تعالى في غير مكان :
ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ، فهذا ينال مرتبة الشهداء سواء بسواء. فمما ينعم به في هذه الحالة وعده بقوله : (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ) أي صفح عن الذنوب (وَرَحْمَةٌ) تتجسد منه في الثواب الجزيل وجنة النعيم ، وهما النعمتان العظيمتان ، بل هما (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من حطام الدنيا وزخرفها وزبرجها وسائر ما فيها ، لأنهم يتعبون في جمعه ويتركونه للورثة ويتحملون تبعته ، وإذ حطام الدنيا لا يدوم لأهله ولا يبقون مخلدين فيها ليستهلكوا ما تعبوا في جمعه ، ومقايسة الدنيا بالآخرة كمقايسة العدم مع الوجود ، إذ نعمها مشوبة المكاره.
وفي هذه الشريفة سدّ جواب القسم مسدّ الجزاء. وقرى : يجمعون بالتاء وسياق الآية يؤيد هذه القراءة لأنها جاءت بصيغة المخاطبة. ولكن القراءة بالياء أبلغ لأنه وجه من وجوه الإقناع : أي أن موتكم أيها المؤمنون وفوزكم بنعيم الآخرة ، خير مما يجمعون من اموال الدنيا ويتركونها أو تزول الأموال من حوزتهم فلا معادلة بين حطام الدنيا وبين المغفرة والرحمة كما أنه