يشهدون من الوقائع مع أعداء الدين ، ولكونهم ربانيين حقا وحقيقة ، ما كان ديدنهم (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) والذنب والإسراف في الأمر هو التجاوز عن الحد فيما لا يرضى الله تعالى قولا وعملا. فهؤلاء يستصغرون طاعاتهم ويستعظمون هفواتهم لأنهم يريدون أن يكونوا مبرئين منزهين من أن يقولوا أو يفعلوا غير ما يرضي الله عزوجل ، بحسب ما ينشأ عن حسن طبعهم وطيب سجيتهم. وهم دائما يقولون ربنا اغفر لنا (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) طالبين التثبيت على الدين ، والظفر في الحرب على أعداء الدين ، لأن هذا الطلب محبوب عند الله سبحانه وهو أقرب الى الاجابة مع ما يرافقه من الدعوات لأن الله تعالى أجلّ وأرفع شأنا من تبعيض الصفقة ، فإما أن يقبل الكل ، وإما أن يرد الكل.
١٤٨ ـ (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا ...) أي أعطاهم جزاء بما عملوا من الصالح ثواب الدنيا الذي هو هنا الفتح والنصر على الأعداء والغنائم والنعم التي لا تحصى ولا تعد ، وسيعطيهم (حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) أي أجرها الحسن. وفي تخصيص ثواب الآخرة بالحسن إيذان بالفرق بينه وبين ثواب الدنيا ، لرجحان الحياة الباقية على الحياة الفانية ويكفي بذلك رجحانا لقوم يعقلون ...
وهاتان العبارتان جيء بهما للتأكيد على كثرة ما يعطي الله تعالى للمطيعين من نعم الدنيا ونعم الآخرة التي لا تقاس بسواها من النعم ، لأن نعم الدنيا معدودة محصورة معروفة ، أما نعم الآخرة فلا تخطر على بال مخلوق (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) أي الذين يأتون بالعمل الحسن الذي دعا اليه وندب له ويرضى به ويجزي عليه بثواب جزيل في الآخرة. فهم المحبوبون عنده سبحانه لأنهم العاملون لكل فعل حسن ، والله تعالى هو المحسن ويحب من أحسن عملا.
* * *