مقالة الراسخين في الايمان الذين يدعون ربهم بالآية الشريفة كي يبقيهم كما كانوا من قبل. فقولهم : لا تزغ قلوبنا ، أي لا تسلب عنها ألطافك ، وثبّتها على صراطك المستقيم ومنهاج الحق بحيث لا تقع فيها ريبة ، ولا يتطرق إليها اضطراب. وقولهم : وهب لنا من لدنك رحمة : تأكيد لقولهم : لا تزغ. وبعبارة أخرى فإن الآيات يفسر بعضها بعضا .. وحاصل المراد أن قولهم : لا تزغ قلوبنا : هو دعاء منهم له تعالى بتثبيت قلوبهم على الهداية ، وإمدادهم بالتوفيقات للبقاء على ما هم عليه. وهذا يجري مجرى : اللهم لا تسلط علينا من لا يرحمنا والنكتة في نسبة الازاغة اليه تعالى ، هي النكتة في نسبة الإضلال اليه سبحانه. وهي التنوية بما لتوفيقه من الأثر المحيي ، وما لخذلانه من الوبال المهلك .. فلا تزغ قلوبنا يا رب. (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) لدينك وصراطك ، ولما أنعمت به على الخلّص من عبادك (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي امنحنا من عندك غفرانا وإحسانا ورأفة (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) كثير العطاء ، جزيل النعم ، وفي العياشي عن الصادق عليهالسلام ، قال : أكثروا من أن تقولوا : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، ولا تأمنوا من الزيغ.
٩ ـ (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ) ... يعني مجمعهم للحساب والثواب والجزاء (لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) اللام في : ليوم ، معناه : في يوم. وإنما جاز ذلك لأن تقديره : جامع الناس للجزاء في يوم. فلما حذف الجزاء تخفيفا لدلالة القرينة المقامية عليه دخلت اللام على ما يليه فأغنت عن في ، لأن حروف الاضافة متآخية لما يجمعها من معنى الاضافة. وهذا الكلام منهم متضمن لإقرارهم بالبعث. (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) أي الوعد ، وهو على وزن الميقات بمعنى الوقت. وظاهر الجملة يدل على أنها من كلام الراسخين. وقد عدلوا من الخطاب الى الغياب لأن فيه تنشيطا للمتكلم ونوع تعظيم وإجلال للمخاطب في بعض المقامات ولو نفيا كالذي نحن فيه. وهذا متعارف في المحاورات والرواية والحكاية كقوله سبحانه : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي