مِنْها) ومن يطلب بعمله ثواب الآخرة وأجرها نعطه الثواب والأجر ولا نمنع عنه ما قدرنا له من الرزق والنعم في الدنيا. فهو ذو الحظ الوافر في الدارين لأنه أخلص لله في عمله من أجل الآخرة ، والله تعالى كفل له رزقه في الدنيا ، فهو ذو حظين (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) وسنثيب ونأجر من يشكرنا على نعمنا حسب ما يليق بحاله وشأنه ...
وقد ذهب بعض المفسرين الى أن المراد بثواب الدنيا المرغوب فيه من الغنائم والأسلاب في الحرب وحين الجهاد ، والمراد بثواب الآخرة هو إيثار الجهاد على كل شيء. ولكن الظاهر أن هذه الجمل جاءت لبيان أمور كلية ، والجهاد من مصاديقها ، ومثله نيل الغنائم ، ولها مصاديق كثيرة كما لا يخفى على المتأمل.
١٤٦ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ ...) كأين لفظة مركبة من كاف التشبيه وأي الاستفهامية. ومجموعهما يفيد التكثير ، أي ما أكثر ما ترى من نبي فعل كيت وكيت. هكذا قال بعض المفسرين مع أن رأينا فيها غير ذلك. فما بالهم تعبوا في تعليلها وجعلوها اسما بعد أن كانت في الأصل حرفا ، فنسجوا لها هذا القماش وألبسوها هذا التعريف بلا فائدة استنبطوها من جهدهم وعمل خيالهم الى أن توصلوا الى أنها تفيد الكثرة. من غير حاجة الى تشكيل هذا الأصل الذي لا فائدة من ورائه ولا حقيقة له لأنه سفسطة مضى عليها بعض أرباب التفسير واتبعوا فيها أهل الأدب ، والصارم قد ينبو. اللهم إلا إذا قصد بها حال النبي (ص) وأنها كحال أي نبي من حيث انه بشر ، ورسول ، ومقاتل للكفار مع أصحابه المخلصين. أي : وكأي من الأنبياء وبرأيي أن كأيّن قد استعملت محل كم ، التي تجيء للتكثير ، لا أكثر ولا أقل. فكم من نبي (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) أي حارب معه في سبيل تأثيل دعوته الى الله تعالى ربيون : جمع ربي ، وهو من توغل في معرفته تعالى وارتبط به ارتباطا شديدا. والرّبيون هم العارفون بالله تعالى والعالمون به وهم العبّاد الزهاد الراغبون عن الدنيا للآخرة المشتاقون للشهادة. والرّبي بتعبير آخر هو الرباني ، وقد كسر الراء في أوله بحسب صيغ النسب على