مؤخر القدم. فالمرتد على عقبيه هو الراجع في سيره الى عكس اتجاهه ، أي نحو الوراء ... فالله تعالى يقول : إنا أرسلنا محمدا نبيّا وأنزلنا عليه كتابا وقد تجلى به وبدعوته نور الإسلام وظهرت براهين الدلالة على صحة نبوته وصدق دعوته ، فإذا مات أو قتل ـ كما هو شأن الرسل من البشر ـ ترجعون بعده كفارا وتكذبون بنبوته وبوصاياه طلبا للرئاسة الدنيوية وطمعا في الملاذ الشخصية وفي سبيل حطام الدنيا الفانية ، وتتحملون أوزار الكفر بالله وبالنبي وبدعوته من أجل ذلك الشيء الزائل ، في حين أن غيركم يحمد الله تعالى ويشكره على نعمة بعثة الرسول وعلى نعمة الهداية لدينه القويم ، وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه وسعدوا بإسلامهم وإيمانهم في الدنيا ، وسيسعدون بعد ذلك في الآخرة؟ ... افعلوا ما شئتم وما حكم به طبعكم فلا يضرنا كفركم ولا ينقص من ملكنا ارتدادكم وشرككم ، وسنجزي الشاكرين على الايمان بنا وبرسولنا أحسن الجزاء.
١٤٥ ـ (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ ...) أي لا تحسبوا أن الموت يأتيكم مصادفة وبغتة وعلى غير نظام وبلا تقدير من الله. ولا تتوهموا ان الحذر والفرار عن موارد الهلكة والقعود عن الجهاد ينجي من الموت ، لا ، بل ما كان ، أي : لم يثبت ولم يقدر لنفس أن تموت (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) إلا بالرخصة منه ، وبمشيئته وتقديره ، وبعلمه وإجازته. فإن لكل نفس أجلا مسمى لا يؤخره الإحجام عن الجهاد ، ولا يقدمه الاقدام على موارد الهلكة. والآية الكريمة تشويق للجهاد في سبيل الله وتشجيع عليه ، كان ذلك عندنا (كِتاباً مُؤَجَّلاً) أي مسجلا مقدرا بأجل ووقت معين ، يعني أن الموت كتب كتابا ـ وقد نصب بالفعل المقدر وجيء به تأكيدا ، ومؤجلا صفته ـ وحاصل معناه أن موت كل ذي حياة مكتوب وموقت بوقت خاص لا يقدم بإرادة الحي ، ولا يؤخر بميله ورغبته. وكتابا هنا مصدر بحسب الظاهر وهي بمعنى المكتوب في اللوح المحفوظ أو غيره ، والله أعلم ... (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) أي : من يرغب ويطلب بعمله ثواب الدنيا ، نعطه منها ما أراد (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ