هذا مضافا الى أن بعض المفسرين قالوا : من فورهم : أي من جهتهم ، أو من سرعتهم أو من ساعتهم وأمثال ذلك مما يعد غريبا إذ لا تساعد عليه اللغة ولا ينهض بالمعنى المقصود في المقام ، وقد وقعوا في هذا التفسير ولم يفطنوا الى أن الأعداء لم يأتوهم من ساعتهم بل بعد زمان متراخ ، أي بعد استراحتهم يوما أو يومين ثم أتوهم بالسطوة والغلبة ، فكان على الله نصرهم وإمدادهم بالملائكة وغير ذلك من أسباب إهلاك الكفر لرفع معنويات المؤمنين ، ولئلا يستولي الكفر وينطفئ نور الإسلام في حال أنه سبحانه شاء أن يتم نوره. واقتضت حكمته أن تعلو كلمته. فالله تعالى يمددكم بملائكة (مُسَوِّمِينَ) أي معلمين بعلامة يعرفون بها قد وسموا بسيماء الحرب. وقيل كانت عليهم عمائم بيض لها طرفان مرسلان واحد من الوراء وآخر من الامام كما عن الباقر عليهالسلام. (وَما جَعَلَهُ اللهُ) أي ما قدر نصركم هذا بملائكة الحرب والنصر (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) سوى بشارة سارة لكم بأنكم الغالبون (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) أي لترتاح قلوبكم وتسكن الى هذا الأمداد بعد خوفها وبعد ما أصابها من الروع (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) ولعله سبحانه وتعالى أراد أن يقوي مقام توكلهم عليه تعالى ويفهمهم بأنه هو تعالى الناصر الحقيقي ولا يكون النصر إلا من عنده ، وأن الملائكة من جملة أسباب مرحلة جلب الاطمئنان لقلوب المسلمين وتهدئة خواطرهم والاستبشار برؤيتهم ومعرفة وجودهم في معركتهم مع الكفار ، وبذلك ينشطون على الهجوم ولا يبالون بالموت. فلا نصر إلا من الله (الْعَزِيزِ) الذي لا يغلب في قضيته (الْحَكِيمِ) الذي ينصر ويخذل على مقتضى حكمته.
١٢٧ ـ (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ..) مطلع هذه الشريفة علة لقوله تعالى : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ). والقطع هو الجزّ والابانة والمعنى أنه سبحانه ينصر رسله على الطوائف التي تناوئهم لقطع دابر الذين كفروا ولم يؤمنوا بالله. ويهلكهم حتى لا يفسدوا في الأرض تدريجيا وقد استعمل سبحانه قطع الطرف أي العضو الفاسد منهم لئلا يسري الفساد