القوافي : أي سهلت وانقادت. ويؤيد هذا المعنى الروايات الواردة في المقام. فمنها ما عن القمي والعياشي عن الصادق عليهالسلام : ما كانوا أذلة وفيهم رسول الله. وإنما نزلت وأنتم ضعفاء. وفي العياشي أيضا عنه عليهالسلام وقد قرأ أبو بصير الآية فقال له : مه ، ليس هكذا أنزلها الله ، إنما أنزلت وأنتم قليل. وفي رواية أخرى : ما أذل الله رسوله قط ، وإنما أنزلت : وأنتم قليل. ومن هذه الروايات ـ مجموعة ـ نستفيد أن لفظة : أذلة ، إمّا أن لا تكون نازلة ، وإما أن تكون مشتقة من ذل يذل ذلة كما ذكرنا آنفا. وحاصل المعنى أنه سبحانه يمدحهم هنا بانقيادهم وتسليمهم وكونهم شجعانا في حرب أعدائه ، ولو لا ذلك لما أقدموا على وقعة بدر مع قلة عددهم وكثرة عدد عدوهم ، ولكن لولا نصر الله لهم لكانوا مغلوبين مهزومين. فلا تخافوا إذا من العدو ما زال نصري معدا لكم أينما كنتم.
وبدر ماء بين الحرمين سمي باسم صاحبه. ووقعة بدر لم تكن أمرا عاديا ، بل كانت من خوارق العادات لعدم تكافؤ الجيشين بالعدد والعدة ، فقد كانت في المشركين الخيل والنعم والسيوف والدروع والرماح والسهام ، في حين أن المسلمين لم يكن معهم سوى فرسين وكان بعض سلاحهم من جريد النخل وإبلهم كانت بضع أباعر معدودة يتعاقب عليها الرجلان والثلاثة ، وأكثرهم مشاة ، ولم يخرجوا بأهبة حرب ولا عزة محارب بل كانت بنظرهم مجرد غزوة ، ومع ذلك كتب الله تعالى لهم النصر والغلبة على الأعداء (فَاتَّقُوا اللهَ) وتجنبوا سخطه بنصرة دينه والثبات على إعلاء كلمته والتوكل عليه فإن ذلك من شأن كل مؤمن (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي افعلوا ذلك لغاية أن تشكروا الله على ما منحكم من جزيل النعمة وباهر النصر.
١٢٤ ـ (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ..) قيل إنها ظرف والتقدير : أذكر حين كنت تقول للمؤمنين (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) ألا يعد كافيا لكم في الثبات والاطمئنان للنصر (أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ) أي يعطيكم مددا ومعونة للنصر ، ويساعدكم (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) هم ملائكة النصر الذين يضربون وجوه الكافرين وأدبارهم ، فانتصرتم على أعدائكم مع قلة عددكم وعدتكم