وتزعم أنك جرم صغير ، وفيك انطوى العالم الأكبر.
وفي قوله غنى في مقام تعريف خلق الإنسان البديع الذي جرى على يد القدرة وصوّره قلم القضاء بأبدع صورة ، كما قال سبحانه وتعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)!. فسبحان الله أحسن الخالقين. الذي هو أجلّ وأرفع عن أن يكون من خالق سواه ، ولكن جرت العادة عند الملوك وأرباب. الشأن العالي أن يجيء تعبيرهم بصيغة الجمع الدالة على الرفعة وعلوّ الشأن ، وهو جلّ وعلا لتقدمه على سائر الكائنات معلّم الكائنات ومرجع المخلوقات طراّ ، والكل فقراء اليه تعالى يحتاجون له احتياج العبد الذليل الى السيد الجليل ، ولا يقدرون على شيء من عند أنفسهم كما لا يخفى (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا وجود في عالم الامكانية لا اله غيره ، فهو الخالق والمدبر والمنظم الذي حارت فيه العقول ، وتاهت فيه الأفكار ، ولو كان ثمة إلى آخر لآل الأمر الى ما أخبر سبحانه عنه في قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا). فمن عدم فساد نظام الكائنات نستكشف عدم وجود غيره سبحانه. هذا مضافا الى البراهين العقلية والنقلية الأخرى التي ذكرت في محلها ودلت على التوحيد. فهو إلا آله الواحد (الْعَزِيزُ) الغالب بقدرته وسلطانه (الْحَكِيمُ) المتقن للأمور حين أحكمها من غير أن يبرز وجه حكمته ، وهو المتصرف طبق مشيئتهمن غير استشارة أحد ، لأنه يعلم حقائق الأشياء بعناوينها وكنهها .. وقيل إنه بمثل هذا جرى الحجاج على وفد نجران حين زعموا أن عيسى عليهالسلام رب يعبد ..
* * *
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ