وقال البعض إنهم مجرّدون مخالفون للنفوس الناطقة في الحقيقة. وعند بعض النصارى أنهم النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للأبدان.
وقيل إن الملائكة الذين كانوا طرفا عند قصة خلق آدم والأمر بالسجود له ، وحصل معهم الحوار ، هم خلق بعثوا مع إبليس لمحاربة الجنّ الذين أسكنوا الأرض ـ قبل آدم (ع) وبنيه ـ فأفسدوا ، فأجلوهم وسكنوها بعدهم. هؤلاء قال تعالى لهم (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وهو من يخلف غيره ، والمراد هنا آدم (ع) فإنه خليفة الله في أرضه ، أخبرهم بذلك إظهارا لفضل المخلوق البديع ، أو لتعليم المشاورة في الأمور كما علّم نبيّه (ص) بقوله : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) أي كما فعل الجنّ من قبل إذ نشروا الفتن وأراقوا الدماء!. وقد قالوا ذلك سؤالا لا اعتراضا عليه سبحانه ، وفي هذا دليل أن خطاب الله جلّت قدرته كان موجّها إلى من سكن الأرض في ذلك اليوم من الملائكة وإبليس بعد أن طردوا الجنّ وخلفوهم فيها ، ولذا قالوا (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي نفعل ما تريد من آدم من التسبيح والتحميد والتقديس ، أي التنزيه والتطهير عما لا يليق بجنابه تعالى ويكرهه. (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أعرف ما لا تدركونه من الغاية. وإرادتي من خلق آدم هي غير ما تبادر إلى أذهانكم وخطر ببالكم.
فالملائكة لمّا كان شغلهم التسبيح والتقديس ، راحوا يقيسون على أنفسهم ، وظنّوا أن المقصود من إيجاد كلّ مخلوق هو التسبيح والتحميد ، والقياس إلى النّفس طبيعي عند كل ذي حياة. ولذلك أفهمهم الله تعالى أن وراء خلق آدم أسرارا لا يعرفونها وأنه ليس محتاجا إلى من يسبّحه ويزيد في عظمته وجلاله.
٣١ ـ ٣٢ ـ (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) ... أي أظهرها ثم طلب منهم بلين ورفق قائلا (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) أي أخبروني