رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (قالوا) في الجواب أو فيما بينهم : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ). استفهام إنكاري. ولام السفهاء للعهد. والمعهود هم الناس الذين آمنوا مع الرسول (ص) المذلّون أنفسهم لمحمد (ص). وإنّما سفّهوهم لاعتمادهم سوء رأيهم في إيمانهم بمحمد وبما جاء به ، أو تحقيرا لهم لفقر أكثرهم ولكون بعضهم موالي. وكان أذل الناس عندهم في ذلك العصر الموالي. بحيث يعاملون معهم معاملة الأنعام. والسفه هو ضعف الرأي والخفّة في العقل. (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) أنهم سفهاء ، أي أخفّاء العقول أراذل ، إذ عرفوا بالنفاق بين الطائفتين. وهذا ردّ بليغ عليهم لتجهيلهم بجهلهم الراسخ فيهم. وقد فصّلت جهالتهم الشديدة بقوله سبحانه (لا يعلمون) أي يجهلون سفاهتهم. ومن نفي عنهم العلم والشعور فأولئك كالأنعام ، بل هم أضلّ.
١٤ ـ (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) ... هذا البيان تثبيت لكونهم منافقين ، لأن صاحب اللسانين هو الذي يقال له المنافق ، وحاصل صدر قصّتهم بيان لمذهبهم ، وهذه بيان لصنعهم مع المؤمنين والكفّار ، أي إذا رأوا المؤمنين (قالُوا آمَنَّا) بما آمنتم به (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) أي إخوانهم من المنافقين الذين يكذّبون الرسول مثلهم (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ، إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بمحمد وأتباعه. وقولهم : إنما نحن ... تأكيد لقولهم : إنّا معكم. ومعنى : إذا خلوا ، أي إذا انفردوا بالذين هم كالشياطين في التمرّد والعتوّ ـ وهم رؤوس الكفر والضلال ـ أي قسسهم ورهبانهم. قال الضحّاك : كان في عصر الجاهلية ، لكل قبيلة من قبائل العرب ، من يدّعي أنه يعلم الغيب : فكعب بن أشرف كان في بني قريظة ، وأبو بردة كان في نبي أسلم ، وعبد الدار كان في جهينة ، وعوف بن عامر كان في بني أسد. والسبب في أنهم كانوا معروفين في قبائلهم ومسمّين بالشياطين أن الأعراب كانوا يعتقدون أن الذي يخبر عن الغيب يكون معه قرين من الشيطان