فجمع المارّة رفاتهم وبقاياهم ووضعوها في محلّ واحد بعيد عن الطريق. ثم كان أن مرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل حزقيل عليهالسلام فلما رأى تلك الرّفاة بكى واستعبر ، وقال : يا رب لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتّهم ، فيعمرون بلادك ويلدون عبادك ، ويعبدونك مع من يعبدك من خلقك! .. فأوحى الله تعالى إليه : أتحب ذلك؟ .. قال : نعم يا رب .. فأحياهم الله عزوجل. ثم قال المفسّر : قال أبو عبد الله : عليهالسلام : فيهم نزلت هذه الآية.
وفي الغوالي عن الصادق عليهالسلام ، في حديث يذكر فيه نيروز الفرس ، قال : إنّ نبيا من أنبياء بني إسرائيل سأل أن يحيى القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله ، فأوحى الله إليه أن : صبّ الماء في مضاجعهم. فصبّ عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا وهم ثلاثون ألفا. وصار صبّ الماء في يوم النيروز سنّة ماضية لا يعرف سببها إلّا الراسخون في العلم.
فإن قيل : كيف يجمع بين قوله تعالى : (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ،) وقوله سبحانه : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى.) نقول : يمكن الفرق بينهما بأن يقال : الإماتة الأولى إماتة عقوبة مع بقاء الأجل ، ولذا أحياهم لاستيفاء آجالهم الباقية. وفي الآية الثانية أراد بالإماتة الإماتة بانتهاء الأجل المحتوم. والحقّ في الجواب أن الآية الثانية تتحدّث عن أصحاب الجحيم وأنهم لا يذوقون فيها الموت إلّا الموتة الأولى ، فالضمير في : فيها ، راجع للجحيم ، وأهلها بعد أن يستقروا فيها لا يذوقون الموت أبدا ، وكذلك أهل الجنّة. فلا منافاة بين الآيتين ، والناس معرّضون للموت مكرّرا في دار الدنيا كما في عزير وأصحاب الكهف وأصحاب موسى وغيرهم. فلا مبرّر لإنكار الرجعة كما لا يخفى.
فالقوم الذين ذكرناهم فعلوا ما فعلوا (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) فماتوا جميعا على حالهم التي كانوا عليها بأقلّ مما يرتدّ إليهم طرفهم لأنه سبحانه