يقول للشيء : كن فيكون ، فهو القادر القاهر ، و (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) وردت هنا لأن إحياء هؤلاء بعد موتهم إنعام عليهم ، وعبرة لهم ولغيرهم ممن يقتصّ أخبارهم ويستبصر بقصّتهم العجيبة الدالة على عظمة الله وجليل قدرته. يضاف الى ذلك أن هذه الآية حجة على من أنكر سؤال منكر ونكير في القبر وإحياء الميّت فيه ، وردّ على المنكرين للرجعة. فأي فضل وإحسان أعظم من هذه الأمور للإنسان المسلم المؤمن المعتقد بالله ورسوله ، بل لكل إنسان غير جاحد إذ ربما استبصر بها والتزم سبيل الهدى واجتنب طريق الضلالة والرّدى؟ ولذا يقال : إن القرآن شفاء للقلوب وشرح للصدور (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) له حقّ شكره ، بأن يتدبّروا آياته ، ويتفكّروا بنعمائه ، ويتّعظوا بمواعظه ، ويعتبروا بتكويناته ، فيستدلّوا بها على قدرته ويقروا بتوحيده.
٢٤٤ ـ (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ... ظاهر هذا الخطاب أنه موجه الى أصحاب رسول الله الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهو بعد تذكيرهم بالذين فرّوا من الموت ولم ينفعهم الفرار ، عقّب بهذه الآية التي يستفاد منها حضّهم على الجهاد بعد استذكار هذه القصة ، فلا يفرّون ولا يسلكون طريقة الذين هربوا من الطاعون فوقعوا في الموت ، وليعلموا أن امر الموت والحياة بيده تعالى ، والفرار من قضاء الله لا ينجي الإنسان منه إذا قدّر له ، وليدركوا أن المجاهدين إنّ ماتوا فاز وا بالشهادة وإلّا فإنهم يعودون بالثواب الجزيل والأجر العظيم. فانتبهوا لذلك أيها المسلمون (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم وخطرات نفوسكم (عَلِيمٌ) بما في ضمائركم ، فلا تحملوا أنفسكم ولا أصحابكم على الارتياب والشك في أمر الجهاد ، ولا تتوقّفوا عنه لأنه تعالى يسمع القول ، ويرى اتّباعكم لوساوس الشيطان وترتيبكم الأثر على ما يمليه عليكم من الخدع والتثبيط ، ويعاقبكم على القعود عن الجهاد.
٢٤٥ ـ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) ... بهذه الآية الكريمة عبّر سبحانه عمّن ينفق ماله في سبيل الله بالمقرض أي الذي يعطي ماله للمستدين منه