تطمئن قلوبهن لوجود الكافل (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) لأنهنّ أجنبيّات ، والمواعدة بالسرّ تدعو الى ما لا يحلّ وتجرّ إلى الحرام ، ولا أقلّ من خوف الوقوع في ذلك ، ولعل هذا مناط المنع ، وقيل إن السرّ هو الدعوة الى الجماع الذي يعبّر عنه بذلك ، والنهي عنه لأنه خلاف التعريض والاحتشام. ومعنى الدعوة الى الجماع كأن يصف الرجل نفسه بأنه كثير الباه كثير الجماع ليهيجها ويحرّك إحساساتها لا أن يدعوها إلى الحرام. (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) ولعله القول الكنائيّ والتعريضيّ لا القول بما هو صريح في الزواج والنكاح. وعلى هذا يحتمل قويّا أن يكون المنهيّ عنه هو القول الذي لا يجوز أن يتكلم به الرجل مع الأجنبية إلّا في السرّ مما يستقبح أو يستهجن ذكره علانية معها. وليس المراد بالسرّ هو المكان الخالي من الناس والمخفيّ عن الأنظار والله أعلم .. والاستثناء في الآية منقطع لرفع ما يتوهّم من المنع عن كل ما يدل على التزويج لأن التزويج يدل على الجماع ويؤول إليه. لكن يجوز القول بالمعروف الموافق للحياء والحشمة كالتعريض وكريم الخطاب كقوله مثلا : لا تسبقيني بنفسك إذا انقضت عدّتك ، أو : إنني أكرم النساء وأحبّهنّ وأحترمهنّ ، وأحب فيهنّ من كانت أوصافها كذا وكذا ، ثم يعدّ ما ينطبق عليها بحيث تعرف أنه يقصدها ، ونحو هذه من معاريض الكلام التي وردت به روايات عن ابن عباس في الدر المنثور .. ولأن الاستثناء منقطع فإن حرف الاستثناء جاء بمعنى : لكن ـ وبل. والمعروف هو التعريض المرخّص به في السرّ. والتصريح بالمواعدة منهيّ عنه : فلا تواعدوهنّ بالصراحة سرا ، بل قولوا لهنّ في الخلوة قولا فيه تلميح (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) يعني : ولا تقصدوا قصدا جازما عقد النكاح قبل انقضاء العدّة ، ولكن العزم عليه بعد العدّة لا مانع منه بقرينة قوله تعالى : (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) ، أي إلى بلوغ ما كتب وقدّر من مدة العدّة المفروض انتهاؤها وغايتها.
ويستفاد من مجموع هذه الآيات المباركات الاهتمام التامّ بأمور :