تجهلون ذلك. ويستفاد من هذه الآية الكريمة أن البشر لا بدّ لهم من أن يكونوا مطيعين لأوامر الله ونواهيه ولو خفي عليهم وجه الحكمة والصواب ، لأن من لا يميّز الخير من الشر في الواقع والنتيجة ، فليس له أن يؤثر هذا على هذا ، ولا أن يختار ذاك دون ذاك ، لأنه ربما أحب شيئا وكان المكروه خيرا له ، وربما كره شيئا وكان المحبوب شرّا خالصا كما أخبرنا الصادق المصدّق.
٢١٧ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) ... عرفت الأشهر الحرم سابقا ، وعرفت أن القتال فيها حرام في الإسلام كما كان حراما قبل الإسلام. وقد بعث النبيّ (ص) سريّة بقيادة ابن عمته عبد الرحمن بن جحش في جمادى الآخرة ليترصّدوا عير قريش وفيهم عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه ، فقتلوه وأسروا اثنين وساقوا العير وفيها تجارة الطائف. واتّفق أن كان القتال في غرّة رجب وهم يظنونه من آخر جمادى. فاعترضت قريش بأن محمدا (ص) قد استحلّ القتال في الشهر الحرام ، فنزلت الآية الكريمة تسلية له صلىاللهعليهوآله ، وتبريرا لعمله المبارك. وحاصل الموضوع أنهم يسألونك يا محمد عن القتال في الشهر الحرام ، أي رجب : (قتال فيه؟.) هل فيه قتال؟. واللفظة بدل اشتمال من الشهر الحرام (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فأجبهم أن القتال في الشهر الحرام ذنب عظيم ومنع عن اتّباع صراط الله المستقيم وعن طريق هداية البشر وما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة. والواو في لفظة : وصدّ ، استئنافية وهي ظاهرا ليست بعاطفة. أما عبارة (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فهي في سياق الكلام الذي يقتضي كونها عطفا على سبيل الله ، أي منع عن سبيل الله وعن المسجد الحرام. كما أن سوق ظاهر اللفظ قد يناسب في عطف «صد» و «كفر» على «قتال كبير» كما لا يخفى .. والصدّ عن المسجد الحرام هو مثل عمل قريش والمشركين حين منعوا النبيّ (ص) والمؤمنين معه عن زيارة بيت الله الحرام وعن دخول مكة. وقد استعظم الله تعالى صدّهم له وقال : (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) أي أن تهجير النبيّ والمؤمنين من مكة أعظم وزرا