هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨))
٢١٦ ـ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) ... وجه اتّصال هذه الآية بما قبلها هو أن الآية الأولى فيها دعوة الى الصّبر على المكاره والأمور الشاقة على النفس والرياضات المكملة لها لجعلها حرّية بنيل الدرجات الرفيعة ، وهو أن فيها أيضا بيان لإنفاق المال في مواقعه التي فيها رضى الله ورسوله ، وهذا أيضا صعب على الطّباع البشرية. ولذلك عقّب الأمرين بفرض الجهاد البدنيّ الذي هو جهاد للنفس أيضا كالالتزام بالبر والطاعات ، فالاتصال في غاية التناسب والوجاهة ، لأن كلّ ذلك من واد واحد يرمي الى تكميل النفس بإطاعة امر المولى. وكتب عليكم القتال أي فرض عليكم الجهاد في سبيل الله امتثالا لأمره ولو كان هذا الأمر ثقيلا وشاقا (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أي أنه إلزام لكم بما هو مكروه من نفوسكم تنفر منه طباعكم ، ولكنكم لا تعلمون المصالح والمفاسد الواقعية في الأوامر والنواهي جميعها على وجه الدقة والحقيقة. والكره يجوز أن يكون بمعنى الكراهة على وضع المصدر موضع الوصف تأكيدا ، ويجوز أن يكون بمعنى المكروه كالخبز بمعنى المخبوز والشّرب بمعنى المشروب. (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي لعلكم تكرهون شيئا في الحال وهو خير لكم في المآل ، كالقتال الذي تكرهونه لما فيه من الخطورات في حال أنه خير لكم لأن فيه إحدى الحسنيين : فإمّا الظفر والغنيمة ، وإمّا الشهادة والجنّة (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) كالقعود عن الجهاد حبا للحياة وفيه الشرّ لكم إذ فيه الذلّ والفقر في الدنيا ، وفيه حرمان الأجر والثواب في العقبى (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) يعرف ما فيه صلاحكم ومنافعكم ، وأنتم لا تعرفون ذلك. كما أنه يعلم ما فيه ضرّكم وخسرانكم في الدنيا والآخرة ، وأنتم