والمنافقين وقتّر على المؤمنين المتّقين مع أنّ بيده التوسيع والتقتير!. ولكن لا يسهو عن بال العاقل أنّ الكفّار مبتلون بالدنيا ورزقها وزينتها ونعيمها ، وأنّ السّعة كانت سببا لتعلّقهم بها ، وأنّ التقتير وإن كان منه تعالى ، ليس وقفا على المؤمن الذي مهما بلغت به السّعة لا تفتنه زينة الحياة. فدفعا لهذه الشّبهة المقدّرة قال سبحانه : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). أي أنّ أمر الرزق بيده تعالى ، يقتّر على بعض ويوسّع على آخرين استدراجا تارة ، وابتلاء أخرى ، وكلاهما ناشئان عن الحكمة والمصلحة اللّتين لا يعلم بهما المخلوق. فلا حقّ لمن لا يعلم ، أن يتكلّم على من يعلم بجميع الأمور من الذرّة الى الدرّة.
والحاصل أنّه ليس المثرى مجبورا على إقباله على زينة الحياة ومغرياتها لسعته ، ولا غيره ملزما بأن يدبر عنها أو يقبل على الآخرة لقلّة ذات يده ، بل كلاهما يفعلان ما يفعلان بالاختيار. وقوله سبحانه : بغير حساب ، يعني بشكل لا يعرف حسابه المخلوق البشريّ ولا غيره ، ولا يعرفه غير الخالق الرازق الذي كلّ شيء عنده بمقدار في الدّنيا والآخرة ، ولا يغرب عن علمه شيء ولو كان مثقال ذرّة.
٢١٣ ـ (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) ... أي أن أولاد آدم كانوا أهل دين واحد وملّة واحدة بعد آدم عليهالسلام ، وهو دين الله الذي بعث به آدم واتّبعه صالحو ذرّيته. فلمّا توفّاه الله أوصى إلى ابنه شيث عليهالسلام ليقوم مقامه. ولكنه لم يقدر أن يعمل بوصاياه كاملة ، لأن هابيل كان حسودا فهدّده بالقتل وتوعّده بأن يفعل به ما فعل بقابيل حين قتله وارتكب أول جريمة على وجه الأرض. لذا سار شيث بالمؤمنين بالتّقية وكتمان أمر نبوّته بعد أبيه عن بعض من هم على شاكلة أخيه ، ثم لما مضت عليه برهة من الزمان على هذه الكيفية لا يستطيع الأمر بالمعروف ولا النّهي عن المنكر ، ولا يسمع له قول ، لحق بجزيرة في البحر وأقام يعبد الله فيها إلى أن مات ... وبمرور الزمن صار دين الله نسيا منسيا وصار الناس في ضلال وحيرة ، فلا هم مؤمنون ، ولا هم كافرون ولا مشركون ، ولكنهم