الدّنيا بنظر الكفّار وأشربوا حبّها في أعماقهم. والظاهر أن المزيّن هو الشيطان. ويمكن أن يضاف التزيين إليه تعالى بخلق المشتهيات فيها ، وإيجاد الشهوات فيهم ، فإنّ الدار دار تكليف واختبار ، وهما لا يتمّان إلا بخلق ذلك. لكن من اتّبع شهوته وآثر زينة الحياة الدنيا على عمل الآخرة يكون ذلك باختياره ، ولا جبر للمكلّف في اختيار الطاعة أو المعصية ، ولا منافاة بين أن يكون هو سبحانه خالقهما والمكلّف بأحسنهما ، وبين أن يكون هو المعاقب للمقصّر والمخالف. فالكفّار يفتنهم الشيطان ويستهويهم بزينة الحياة (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) وتصدر سخريتهم الشنيعة عنهم بنتيجة حبّهم للدّنيا وزينتها ، ولو كانوا عقلاء لما استهزءوا بمؤمن يحبّه الله ورسوله وسائر المؤمنين. ووجه استهزائهم بالمؤمنين إمّا لفقرهم ، وإمّا لزهدهم في الدنيا ، أو لعدم مجانستهم معهم ، لأن المؤمن يعيش في نور الإيمان وهم في ظلمة الكفر والباطل يعمهون (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنهم في علّيّين وفي دار الكرامة من الجنّة ، والكفّار في سجّين وفي دار الهوان والندامة. وسيسخر المؤمنون منهم في الآخرة كما سخروا هم في دار الدّنيا ، وكما تدين تدان. وقد عبّر الله سبحانه عن المؤمنين بالمتّقين إشارة إلى أنهم هم الوحيدون الذين تجنبوا معاصيه واتّبعوا مراضيه لذلك يسكنهم دار النعيم الدائم (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) يعطي الكثير الذي لا يحصره حساب. فإن قيل : اي وجه ومناسبة لهذا الذّيل بعد صدر الآية المتقدّم؟. قلنا : يمكن أن يقال في وجه مناسبته أن تزيين الحياة الدنيا وجاءوها في أعين أهلها الراغبين فيها ، كاشف نوعا عن السّعة والاستغناء عمّا في أيدي غيرهم لأنهم يتقنون شؤون دنياهم ويستزيدون رزقها ومتعتها ، كما يشاهد بالعيان ويحس بالوجدان أن أبناء الدّنيا متنوّعون في السّعة والرفاهية ، وأهل الآخرة يبتلون بالضّيق والتّقتير ، فهؤلاء كأنهم معدمون محرومون غير مستأنسين ، وأولئك يعيشون في ثراء ونعيم مستسلمين إلى زينة الحياة الدنيا بشغف الطفل إلى ثدي أمّه .. وفي أذهان عامّة الناس ، ولا سيما التّالين للقرآن ، أنه لماذا وسّع سبحانه على الكفرة