عندك وبعد عنك ، أو صار واليا وملك الأمر فعل بظلمه وسوء سيرته ما يفعله ولاة السوء والجور وسار في الأرض بسيرتهم (لِيُفْسِدَ فِيها) يبغي ويظلم (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) بحيث يقتل ويخرب حتى يمنع الله بسوء أعماله قطر السماء وتمنع الأرض بركاتها فيحدث القحط والغلاء وهذا نوع آخر من إهلاك الحرث والنّسل. وفي المجمع والقمّي عن الصادق عليهالسلام : الحرث في هذا الموضع : الدّين ، والنسل : الناس. (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) فهو منزّه عن أن يرضى بأعمال المفسدين بين عباده ، بل هو يأمر بقمع مناشئ الفساد ومصادره بناء على ما في الروايات ، ومعنى قوله : (لا يُحِبُّ الْفَسادَ) : أنه يبغضه ويمقته مقتا شديدا.
٢٠٦ ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ) ... أي إذا قيل له : تجنّب غضب الله وسخطه ودع صنيعتك التي يتولّد وينشأ منها الفساد (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) استولت عليه أنفته وكبرياؤه وعصبيّته الجاهليّة ، وحملته على ارتكاب اللّجاج في مضاعفة فساده ، مما يزيد في إثمه ويزيد في عذابه يوم القيامة ولذا قال سبحانه : (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) أي كفته عقوبة وأغنته عن كل عذاب وجزاء على سوء عمله (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) وجهنم بئس الفراش المهّد له ، المبسوط لإقامته فيها. والمهاد بالحقيقة هو فراش الطفل الذي ينام فيه ويستريح ويترفّه. وقد ذكره الله تعالى هنا تهكما واستهزاء بالمفسد.
٢٠٧ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) ... أي يبعها طلبا لمراضي الله تعالى. نزلت في عليّ عليهالسلام حين نام على فراش النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يوم هرب من المشركين الذين تآمروا على قتله ، وصار الى الغار الذي حجبه الله فيه عن أعين الكفرة ، وبات عليّ مكانه وفداه بنفسه في تلك الليلة المهولة ، وتلقّى فيها الحصب وضربات الحجارة غير مبال بذلك ما دام فيها نجاة محمد صلىاللهعليهوآله. (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) أي طلبا لتحصيل رضاه وحفظا لنبيّه. ولذا قام جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه يحرسانه ، ونادى جبرائيل : بخ بخ. من مثلك يا عليّ بن أبي طالب ، يباهي الله الملائكة بك (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) رحيم