عنهما موقوف على التقوى لا على مجرّد الرّخصة أو العزيمة في الرّمي ... فهل المراد هو اتّقاء المعاصي في الحج ، أو بعد الحج في بقيّة العمر ، أو كلاهما ، أو مطلق المعاصي كما يعطيه النظر في ظاهر الآية (لِمَنِ اتَّقى)؟. ففي الفقيه عن الباقر عليهالسلام : لمن اتّقى الله. وهذا التفسير يؤيّد ما استفدناه من ظاهرها ، وهو أن التخيير في التعجيل والتأخّر لمن اتّقى الله وتجنّب معاصيه وهو الحاجّ على الحقيقة .. (وَاتَّقُوا اللهَ) أمر ثان بتجنّبه في مجامع الأمور ، جاء بعد قوله سبحانه : لمن اتّقى ، لبيان زيادة الاهتمام بأمر التقوى بمقابل تسهيلاته وأفضاله وكرمه على العباد (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) اعرفوا وتيقّنوا انكم تجمعون إلى ربكم يوم القيامة للحساب والثّواب والعقاب.
٢٠٤ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ) ... نزلت في المرائي ، أو في أخنس بن شريف الذي كان حسن المنطق ، ويدّعي الإسلام ومحبّة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وكان كاذبا منافقا. وقيل هي في المنافقين مطلقا. وفي العياشي عن الصادق عليهالسلام هي في اثنتين معروفين. ولا منافاة بين شمول الآية لعامّة المنافقين وبين نزولها خاصّة لكون من نزلت فيه رأس النفاق. فإن الملاك موجود في الكلّ. فقد قال سبحانه عن المرائي أنه يعجب (قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وتبهر السامع حلاوة منطقه وفصاحة لسانه ، مظهرا اعتناقه للدّين الحنيف ، ومتظاهرا بتقديسه في حضرتك يا محمد ، ومتصنّعا الورع والتقوى (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) يستشهد به ويحلف به أنه صادق في دعاواه ، وأن لسانه وقلبه واحد ، فيعجبك منطقه وقد تتصوّره صادقا فيما يقوله وتستبعد أن يكون مدلّسا في مقالته (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) وأعدى الأعداء. وهذا إخبار من الله تعالى عمّا في قلبه من أنه شديد الخصومة للدين. هذا بناء على أن الخصام : جمع خصم ، أما إذا اعتبرت اللفظة مصدرا فيكون المعنى : شديد المخاصمة والجدال. والأول أصح والله أعلم.
٢٠٥ ـ (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ) ... أي إذا انصرف من