لأنها من الحرم ، وأن يفيضوا منهما الى جمع. وعن الصادق عليهالسلام : يعني «بالناس» : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ومن بعدهم ممّن أفاض من عرفات. (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) اطلبوا المغفرة منه تعالى يا معشر قريش لما كان يصدر منكم في عصر الجاهلية من التغيير والتبديل في مناسككم ، أو من ذنوبكم طرّا (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر ذنوب التائبين ويرحمهم ، حيث انه يحب التائب من الذّنب.
٢٠٠ ـ (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) ... إذا أدّيتم فرضكم وفرغتم من أعمال الحج. والمناسك مفردها : منسك ؛ وهو موضع النّسك ، أي موضع العبادة ، أو نفس العبادة ، ولذا يقال : مناسك الحج : عباداته المقرّرة في الشرع للحجاج. (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) أي فأكثروا ذكر الله كما كنتم تفعلون في ذكر آبائكم وتعداد مناقبهم ومفاخرهم في جاهليتهم (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) أي بالغوا في ذكره وشكره سبحانه وزيدوا في ذكر آلائه وشكر نعمائه. وقد كانوا قديما إذا قضوا مناسكهم وقفوا بمنى بين المسجد الجبل المعروف هناك ، يعدّدون فضائل آبائهم ، ويذكرون مفاخرهم ، ويعدّون أيامهم ، فنّبههم إلى ذكره عزّ وعلا وقال : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) مذكّرا لنا بأن المخلوقّ البشريّ بين مقلّ لا يطلب من الله تعالى مدة حياته إلّا الدنيا ، وبين مكثر يطلب بذكر الله خير الدارين. فالله تعالى يحب أن نكون من المكثرين لأن المقلّين ليس لهم في الآخرة من نصيب ، أمّا المقلّ فقد يعطيه الله الدنيا (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) بخلاف المكثر الذي يحوز حظّ الدنيا والآخرة كما قال سبحانه في الآية التالية : ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية ... والخلاق ، كسحاب هو النّصيب الوافر من الخير.
٢٠١ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ) ... وهو قول الطائفة الثانية التي ذكرناها في الآية السابقة ، منهم يسألونه تعالى الحسنتين ويقولون (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) فهؤلاء لا يقصرون مطلوبهم على حظوظ الدنيا الفانية ، ولا يحرموا أنفسهم من طلب النّعيم الباقي.