الحرام وكونوا فيه بعد عرفات واحمدوا الله (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) أي على هدايته إياكم. ولا يخفى أن الكاف في كما ليست للتشبيه ، بل المراد به تعليل الطّلب به أي بمدخوله ، أي اذكروه لهدايته إياكم (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) كلمة : إن ، مخفّفة من : إنّ الثقيلة. أي وإنه كنتم قبل الهدى على طريقة غير مستقيمة ، على دين الجهلة ، لا تعرفون كيف تذكرونه ولا كيف تعبدونه. وبعد أن شملتكم نعمة الهداية إلى دين الإسلام عرفتم طرق العبادة وكيفية الذّكر حقّ المعرفة.
١٩٩ ـ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ... والخطاب لقريش. أي يا معشر قريش أفيضوا من الجهة التي أفاض الناس. وحيث : ظرف مكان مبنيّ على الضمّ ، وترد للزمان أيضا. والإفاضة : هي الاندفاع بشدّة. وكانت قريش وحلفاؤها من الحمس (١) يقفون بجمع أي المزدلفة ولا يقفون مع سائر الناس بعرفات ترفعا عليهم ، فأمروا بمساواتهم ومشاركتهم في الخروج الى عرفات أولا ، ومنها الى المشعر الحرام ، ومنه الى منى. وقد كانوا يخرجون الى المشعر كما أسلفنا ويقفون فيه كراهة أن يجتمعوا مع العرب استعلاء عليهم ، ومنه كانوا يخرجون الى منى فيتركون بذلك موقف عرفات أو يأتون به بعد مناسكهم في منى على خلاف الترتيب ، فأمرهم الله تعالى بمتابعة سائر النّاس كما تقدّم.
وأما لفظة : ثمّ ، فلتفاوت ما بين الوقوفين إذ الوقوف بجمع حرام وفي عرفات واجب ، فالترتيب في الرّتبة في غير وقته. وفي المجمع عن الباقر عليهالسلام : كانت قريش وحلفاؤهم لا يقفون مع الناس بعرفات ، ولا يفيضون منها. ويقولون : نحن أهل حرم الله تعالى فلا نخرج من الحرم ، فيقفون في المشعر ويفيضون منه الى منى ، فأمرهم الله بأن يقفوا بعرفات أو لا
__________________
(١) الحمس : جمع : أحمس ، وهو الرجل الشجاع ، ولعلّ المراد بالحمس : الرجال الأقوياء ، أو هو اسم طائفة من الناس. وجمع اسم غير منصرف لأن فيه التعريف والتأنيث وتنوينه للمقابلة. ومنع الصّرف إنما يذهب بالتنوين لا مطلقا.