الأخرى (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) هذه الجملة علّة لكون التزوّد للآخرة يكون بتقوى الله. وقيل إن أهل اليمن لا يحملون معهم الزاد ، ويقولون : نحن المتوكّلون ، ويكونون كلّا وثقلا على الناس فنزلت فيهم (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) يا أصحاب العقول تجنّبوا غضبي. وقد اختصّ ذوي العقول بتقواه لأن اقتضاء العقل هو الخشية وتجنّب المعاصي.
١٩٨ ـ (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ...) أي ليس عليكم بأس ولا أيّ مانع من أن تطلبوا رزقا من الله في زمن حجّكم. وفي العياشي عن الصادق عليهالسلام : فضلا من ربكم : يعني الرزق ، إذا أحلّ الرجل من إحرامه وقضى نسكه فليشتر وليبع في الموسم (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) أي اندفعتم من جبل عرفات بعد الموقف وسرتم نحو المشعر بكثرة وتفرّقتم (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) يعني إذا خرجتم من عرفات إلى المزدلفة وهي المشعر الحرام. وسمّي مكان المزدلفة بالمشعر لأن جبرائيل (ع) قال لإبراهيم سلام الله عليه وهو بعرفات : ازدلف إلى المشعر الحرام ، أي تقدّم منه وتقرّب إليه ، فسمّى مزدلفة ، وسمّي المشعر جمعا ، لأنه يجمع به بين صلاتي المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين. كما أن منى سمّي منى لأن إبراهيم عليهالسلام تمنّى هناك أن يجعل الله مكان ابنه كبشا يأمره بذبحه فدية له. ولعلّ المراد بتمنّيه هو لسان الحال لا المقال ، لأنه ليس في أخبارنا شيء ظاهر يدلّ على أنه تمنّى ذلك من ربه وسأله بمقالته. والحاصل من الآية الكريمة : فإذا نزلتم من عرفات (١) فاذكروا الله عند وصولكم للمزدلفة والذكر هو الثناء والشكر على نعمة الهداية والنجاة من الضلالة وهذا الذكر واجب للأمر به ، وظاهر الأمر هو الوجوب. والذكر فيه يلازم الكون فيه ، ولذا يقول علماؤنا الأكابر : إن الوقوف فيه واجب ... فمجمل القول صار : انفروا للمشعر
__________________
(١) عرفات اسم مفرد لمكان معيّن ، وهو في لفظ الجمع فلا يجمع معرفة لأن الأماكن لا تزول فصارت كالشيء الواحد.