له بسوء احتراما للشهر. وإنما سمي ذو القعدة بهذا الاسم لقعودهم فيه عن القتال (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) يعني أن لكل حرمة وهي ما يجب أن يحافظ عليها ـ فيها قصاص ، أي يجري فيها الجزاء. فلمّا كانوا قد هتكوا حرمة شهركم في السنة السالفة ، فافعلوا بهم مثلما فعلوا ولا تبالوا (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فجازوه بمثل فعله. وهذه جملة مؤكدة لما قبلها (وَاتَّقُوا اللهَ) في أوامره ونواهيه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) يعينهم ويصونهم من جميع الحوادث ويصلح أمورهم الدنيويّة والأخرويّة. وهذه الجهات هي المراد بمعيّته سبحانه وتعالى وكونه «مع» المتقين لا زمانيا ولا مكانيّا ، ولا بمعنى أنه يجلس معهم ويقعد إليهم في مكان أو زمان. والحاصل أن قربه ومعيته لا يكونان باجتماع ولا بممازجة ؛ كما أن بعده لا يكون بافتراق ولا بمباينة. وبذلك نشير الى معيّته تعالى إجمالا وضدّها آثار بعده وبينونته.
١٩٥ ـ (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ... الإنفاق إخراج الشيء عن ملكه إلى ملك غيره. والمراد هنا هو الإنفاق من المال الشخصي في وجوه البرّ ، ومنها الجهاد وسائر أبواب الخير (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وفيها بيان للمنفيّ لا للنّفي. بيان ذلك أنكم إذا بخلتم ولم تصرفوا أموالكم في تهيئة مقدّمات الحرب مع الكفرة ، كشراء أجهزة الجهاد من المراكب ، وكإعداد الجنود ، وكالبذل في كل ما يعود على ترتيب الجيش في العدّة والعدد ، فإنّ أعداءكم يتسلّطون عليكم وتصبحون مغلوبين مقهورين ، ومقتولين أو أسراء ، ولا تنجيكم الندامة ولا التأسف من الهلكة والهزيمة. فقوله جلّ وعلا : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ ...) في غاية الربط مع سابقتها : وأنفقوا .. والباء في : بأيديكم ، للتّعدية الى المفعول الثاني. وتقدير الكلام ظاهرا : ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلخ ... فحينئذ لا تكون الباء زائدة كما صدر عن بعض الأعلام من المفسّرين والله سبحانه أعلم. وفي المجالس ، عن النبيصلىاللهعليهوآله ، قال : طاعة السلطان واجبة ، ومن ترك طاعة