والصغرى ، طولا وعرضا وعمقا وجزرا وقدا ، ليلا ونهارا ، في الظّلمة وفي الضياء ، في حركة البحر وفي سكونه ، بالتجذيف أو بالشراع الهوائي أو بالبخار أو المحرّك الكهربائي ، وغير ذلك مما يعرفه قباطنة السفن وأرباب الغوص الذين يهتدون بالشمس مرة وبالنجوم ثانية ، وبالبوصلة أو إبرة الملّاحين مرة أخرى .. والآية العجيبة في ذلك أن تلك السفن لم تخضع في شكلها لتغيير ولا لتبديل ، بل بقيت على وتيرة واحدة آلاف السنين ، إذ لم يتيسّر لصنّاعها أحسن ولا أتمّ مما هو عليه!. فوحدة الصناعة ، ووحدة الأجزاء ، ووحدة القواعد الثابتة التي تسير السفن بموجبها ، هذه كلّها تدلّ على وحدة ملهمها بلا إشكال لأنه هكذا ألهمها لعباده لتجري في البحر (بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) أي بالذي يفيدهم من السفر والتجارة والصيد وغير ذلك مما يذهب إليه السامع بنفعها (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ) ذكر الماء ، مع أنه ينزل من السماء كثيرا مما يفيد أو يهلك ، لأن المطر لعلّه أنفعها إذ به يحيي الأرض وما فيها وما عليها. قال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).
والمطر بأقسامه من الآيات الباهرات الدالة على التوحيد ، وابلا كان أم طلّا ، رذادا أم هطلا ، فهو بنفسه دالّ على حكمة حكيم ، وبكيفية نزوله يبرهن على عظمة عظيم ، يجعل طلّه أجزاء صغيرة تكاد لا ترى ، ويجعل وابله نقطا تكاد تكون بحجم واحد ، ويجعل هطله متدفقا كأنه ينصبّ من أفواه القرب ، فقد لا ينزل دفعة واحدة لئلّا يضرّ بالمزروعات ويغرق الأرض ، وقد يهطل ويتفرّق حتى يعمّ ويشمل الأمكنة العالية والسافلة ، وقد يسير مع الريح الغربية أو الشرقية أو القبلية ، وقد يختصّ ببلد دون بلد ، وقد يزيد هنا وينقص هناك. فهل يكون كذلك إلا بأمر مدبّر منظّم واحد بغير شريك؟. فإنه لذلك من قديم الأزمنة إلى حديثها وإلى الأبد بالقياس إلى ما سبق من وحدة الملاك ، وإن العلّة المحدثة مبقية ، والمعلول باق ببقاء علّته أو كما شئت فقل في وصف هذه الآية