الآية العجيبة لآية خلق السماوات والأرض لإفهامنا أنّ هذا الاختلاف من آثار تقابل الشمس مع الأرض وحركتها بمحاذاتها ، ليرى وجه التماثل أو التخالف بينهما ، وتترتّب آثارهما على التقابل والمواجهة التامّة أو الناقصة كإحداث اللّيل والنّهار ، وطولهما وقصرهما ، وتشكيل الفصول الأربعة وترتيب آثارها العرفيّة عليها ، وكإيجاد أمور أخر من المنافع والمضارّ إلى غاية النهاية من الأمور الغريبة والصنائع البديعة التي تحيّرت بها عقول ذوي الأفهام ، وبهتت أفكار المفكّرين العظام ، وتحيّر ذوو الألباب بإحداث هذه الآثار وغيرها ، وترتّب بعضها على بعض وفق نظام واحد يدلّنا على مبدع لا مثيل له ولا شريك ، لأنه لو كان له في تلك الأمور مشارك لاختلّ نظامها ولفسدت السماوات والأرض وما فيهن .. فمن بقاء نظامهما أزلا وأبدا نستكشف وحدة الصانع وموجد العالم (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) هي أيضا تدل على وحدانيته يعني السفن التي تمخر عباب البحار ـ فهي تدل على ذلك من ناحيتين :
الأولى : هو الاهتداء إلى كيفية صنعها وإعطائها شكلها. فإن الفلك إذا صنعت مدوّرة لا تصلح ، مع أنه ثبت في علم الهندسة أن الشكل التدويري هو أحسن الأشياء. وهي بغير شكلها البيضيّ لا تعطي الفائدة التامة من حيث حفظ التوازن في الركوب وحمل الأثقال. فإنه تعالى لمّا أمر نوحا عليهالسلام بأن يعمل السفينة ألهمه اصطناعها بالشكل البيضيّ لا بالشكل التدويري. وقد صرنا ندرك بالوجدان أنّ المراكب المائيّة لا بدّ وأن تكون بأجمعها على ذلك الشكل ووفق النمط الخاص ، سواء أكانت سفنا تجاريّة أم سفنا حربية ، فإنها لا غنى لها عن سكّان تشقّ به الماء لتسرع في السير ، ولا بدّ أن يلاحظ طولها وعرضها وعمقها في البحر ، وأن تلاحظ نقطة ارتكاز الثقل فيها وغير ذلك من الأمور الفنيّة المتعلقة بصناعة السفن.
والثانية : هي جهة إجرائها في البحار مع مختلف شؤونها الكبرى