على الثانية ، كما أن ما يدل على توحيد الذات مقدّم عليهما رتبة.
ولمّا كان فهم توحيد الذات والصفات مشكلا على نوع البشر ، فقد جاء سبحانه بوسيلة توحيد الأفعال ليسهل أمرهما .. أما بيان أنّ خلق السموات والأرض كيف يدل على وحدة الإله؟ .. فذلك أنّ الموجودات السماوية لها أشكال مختلفة ، ولكل واحد منها نظام خاصّ وحركة مخصوصة به ، حيث لا يوجد في نظامه وطريقته نقص ولا عيب ، ولا يضادّ نظام كل واحد منها نظام الآخر ، ويترتّب على حركاتها ونظامها آثارها وخواصّها في عالم الوجود من الأزل إلى الأبد ، فمن هذه الأنظمة البديعة الدقيقة ، والطّرق المخترعة العجيبة التي لا تتغيّر ولا تتبدّل ندرك ونستكشف بأنها صادرة عن إرادة المريد الفرد وعن خالق واحد بلا شريك.
وبنظير هذا الاستدلال نقول عمّا في الكرة الأرضية من هذا الطراز العجيب والنّمط الغريب ، في خلقها ببرّها وبحرها ، وإيجاد ما فيها من عجائب الصنع وبدائع التدبير ، في مخلوقاتها ومختلف موجوداتها حيوانا ونباتا وجمادا ، مع ما في كل واحد منها من المنافع والمصالح المترتبة عليه والمستفادة منه بكيفيّاتها المخصوصة بلا اختلاف ولا تغيير ، فهذه تدل على إيجادها من لدن موجد واحد وخالق فرد وصاحب رأي حكيم ..
قال بعض المفسرين : إن عامة المؤمنين : بالنظر إلى المصنوعات : يعرفون الصانع. وخواصّهم يعرفون الله بالنظر إلى الصفات ، فيعرفون الموصوف والأنبياء. وخاصّ الخاصّ ينظرون إليه تعالى فيعرفونه به ، كما قال تعالى مشيرا إلى هذا المعنى : ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّل ، وما قال : أنظر إلى الظّل فتعرفني ، بل قال : أنظر إليّ فتعرف صنعي وقدرتي كيف أمدّ الظّل وكيف أبسطه ، وكيف أطويه وأجزره (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وهو يعقّب بهذه