وأبهمت القواعد أولا ثم أضيفت للبيت لأن في التّبيين بعد الإبهام تفخيما وإجلالا لشأن المبيّن كما لا يخفى على من له دربة وحذاقة بصناعة اللغة .. (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) : يستفاد من طلب القبول إعطاء الأجر والثواب لا على ما بنياه من الكعبة أعزّها الله مسجدا لا مسكنا ، وإنما الأجر والثواب على الطاعات (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) السميع لدعائنا العليم بجميع أمورنا ظاهرة وباطنة.
١٢٨ ـ (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) ... أي : صيّرنا خالصين لك مصفّيين من كل ما تكرهه ولا ترضاه (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) أي : اجعل بعض نسلنا ـ أنا وابني إسماعيل ـ مخلصين لك. وقد جاء بلفظة : من ، لأنه إنما خصّ البعض ، لأنه تعالى عرّفه بأن الظّلمة من نسلهما لا ينالون عهد الله ولا يفوزون بميثاقه ، فدعا للبعض من الذّرية بالتوفيق لمرضاة الله والطاعة وخلوص النية وحسن العمل والتنزّه عن الشّرك والضلال (وَأَرِنا مَناسِكَنا) أي عرّفنا مناسك الحج وعباداته الموظّفة المقرّرة في الأماكن المعهودة في الشرع الإلهي ، وعرّفها لكل نبيّ في عصره بحسب شرعه. وقد صار إكمال المناسك كلّها في عصر خاتم الأنبياء سيدنا ونبيّنا محمد (ص). فبعد أن دعا إبراهيم عليهالسلام أن يعرّفه الشارع الأقدس وظائف الحج وأمكنتها قال : (وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أي اقبل توبتنا وندمنا على ما قد يحصل منّا من قصور أو تسامح في الوظائف ، فاعف عنّا. ذلك أن المقرّبين يعدّون قصورهم ذنبا عند ربهم وتسامحا ، حتى ولو حصل الأمر سهوا فإنهم يعتبرونه تعمدا وأنهم مؤاخذون عليه ومسئولون عنه. فطلب التوبة في محلّه لأنه يعني ـ على الأقل ـ توبة تعبّد يقتدي بها المؤمنون التائبون. وقيل إن طلب التوبة كان لذريّتهما وهو احتمال على خلاف الظاهر. وتكرار ضمير الخطاب تأكيد ومبالغة ، والتوّاب كثير القبول لتوبة التائبين ، وكثير الرحمة بهم ، وكثير التجاوز عنهم وعن سائر عباده ، والرحيم مبالغة في صفة رحمته الواسعة ، فإنه تعالى يغفر يوم القيامة ويفتح باب الرحمة بحيث لا يبقى مشرك ولا كافر إلّا