ويطمع بالرحمة ـ بل قيل إن إبليس ليمدّ إليها عنقه ، لمغفرة الله الواسعة ورأفته بعباده ، سبحانه فقد وعدنا بقوله : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ..)
١٢٩ ـ (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً) ... فبعد بناء الكعبة ، وإحياء ما اندرس من معالم البيت ، وبعد أمر الله بتطهيره لعباده المنقادين المطيعين ، واطلاعه على معالم المناسك ، وقف إبراهيم (ع) يدعو لنفسه ولذرّيته وأمّته ، وتمنّى على ربّه أن لا يقطع نعمة الهداية عن الأجيال القادمة في ذريّته ، ثم طلب إليه أن يبعث ـ يرسل ـ رسولا : نبيّا مرشدا ، كيلا تنقطع عنهم هذه النعمة العظمى من النبوّة (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أي يقرأ عليهم دلائل التوحيد ويعلّمهم كتبك السماويّة. وقيل إن الكتاب أريد به الجنس ، وقيل إنه القرآن ـ على ما أخذ به بعض المفسّرين ـ وهو قريب إلى الصواب بناء على أن إبراهيم كان يعلم أنه لا يبعث من نسله إلّا محمد (ص) ، وهو صاحب القرآن ، يدل على ذلك ـ أيضا ـ أنه قال صلوات الله عليه : أنا دعوة إبراهيم وبشرى عيسى .. (وَيُزَكِّيهِمْ) ويطهّرهم من دنس الشّرك ومن العقائد الباطلة والأخلاق الرذيلة والأفعال الفاسدة (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العزيز : المنيع الذي لا يغلب على ما يريد ، ولا يقهر على ما يراد به ، والحكيم الذي يحكم ما يعمل ، ويفعل طبق المصالح ونظام النوع ، أي يضع الأشياء على ما ينبغي ..
* * *
(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى