(رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) ، فجاء بلفظ «البلد» معرّفا. لذا يمكن أن يقال : إنه في الدعوة الأولى كانت حول البيت أمكنة قفرا فطلب من ربّه أن يجعله بلدا معمورا وآمنا لمن دخله من كل ذي حياة نامية حتى النبات فلا يجوز قلعه وحصاده لأشخاص معيّنين كالحجاج والمعتمرين في حال الإحرام ، أو لعلّ المسألة خلافية ولسنا في مقام فقه الآية الشريفة على كل حال .. أما في الدعوة الثانية فكان بلدا معمورا بالأهالي غير آمن كليّة ، فعرّفه وأشار بتعريفه إليه ، وطلب له الأمن وربما كانت الدعوة الثانية قد صدرت في الوقت الذي كانت قبيلة جرهم تسكن حول البيت ، فدعا ولو كان البلد أثناء ذلك آمنا ـ فرضا ـ فلا عجب إذا دعا مكرّرا لثبات الأمن ودوامه ... وأما القول بأن الدعوة الأولى كانت في السور المدنية ، والثاني في المكيّة ، فلا ينافي ما ذكرنا ، لأن الواقع الصادر عن إبراهيم عليهالسلام بلغته ، كان على الترتيب الذي قلناه. مضافا إلى أنه ليست كل أية مكيّة متقدّمة كما أنه ليست كل آية مدنيّة متأخّرة. بيان ذلك أن بعض الآيات المكيّة نزل قبل الهجرة فالمدنيّة متأخّرة عنه ، ولكن من الآيات ما نزل ـ بعد فتح مكة وبعد الهجرة ـ في مكة ، فيكون المدنيّ متقدّما عليها ، فلا قاعدة ثابتة بين الآيات المكيّة والمدنية في التقدّم والتأخّر .. (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) أي : أنعم عليهم بها. وفي العلل عن الرضا عليهالسلام : لمّا دعا إبراهيم ربّه أن يرزق أهله من الثمرات أمر بقطعة من (الأردنّ) فسارت بثمارها حتى طافت بالبيت ، ثم أمرها أن تنصرف إلى الموضع المسمّى (الطائف) ولذلك سميّ طائفا. فإبراهيم (ع) دعاه أن يرزق من أهل مكة (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : وفي العياشي عن السجّاد عليهالسلام : إيّانا عنى بذلك ، وأولياءه وشيعة وصيّه ، قال الله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ) أرزقه أيضا ، كما هو لطفه المعهود بعباده ، فقد نبّه تعالى إلى أن الرزق يعمّ المؤمن والكافر. أو أنّ : ومن كفر ، مبتدأ يتضمّن معنى الشرط ، وخبره (فَأُمَتِّعُهُ) أحييه زمانا ، أو أهبه متاعا ونعيما (قليلا) مقصورا على أيام قلائل