(ص) ، ثم أمضاه نبيّنا (ص) ولم ينسخه بأمر من الله تعالى الذي كرّس حرمته مكرّرا.
(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) قرئ بكسر الخاء بتقدير : قلنا لهم وأمرناهم : اتّخذوا. وقرئ بجملة خبريّة ، أي أن الناس اتّخذوا لهم مصلىّ في مقام إبراهيم عليهالسلام ، يعني مكان صلاة تبركا بالمقام وموقعه وتبركا بصاحب المقام .. وكلمة : من ، يحتمل أن تكون زائدة ، وأن تكون تبعيضية بناء على سعة مقام إبراهيم واستيعابه لأكثر من مصلّ في موضع عبادته ومقامه عليهالسلام. والمقام ، أيضا ، يحتمل أن يكون مكان قيام إبراهيم (ع) لعبادة أعمّ من الصلاة ، ويحتمل أن يكون موضع الحجر الذي قام عليه حين ندائه ودعوته الناس للحج على ما روي ، أو حين بنى البيت عند ما أمر هو وابنه ببنائه ورفع قواعده ، كما أنه يحتمل أن يكون حجر النداء والبناء واحدا ، وهو الذي تأثّر من قدمه الشريف فبقي رسمه عليه إلى الآن. وفي ذلك معجزة ظاهرة دالة على نبوّة إبراهيم عليهالسلام. فإن الله تعالى جعل الحجر تحت قدميه كالطين حتى أثّرت قدمه الشريفة فيه. وعن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنه قال : نزلت ثلاثة أحجار من الجنة ، مقام إبراهيم ـ الحجر الذي قام عليه ـ وحجر بني إسرائيل ، والحجر الأسود استودعه الله إبراهيم حجرا أبيض ، وكان أشدّ بياضا من القراطيس ، فاسودّ من خطايا بني آدم .. إلخ ...
وفي موضوع المصلّى هنا أقوال. والمرويّ عن أئمتنا (ع) أنه موضع صلاة فريضة الطواف ، وهي واجبة مثله لأن الله تعالى أمر بها. وقد قال بعض الأكابر من الأعلام : هذا لا خلاف فيه. (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) والمراد بالتطهير هنا هو اختصاص البيت بهذه الطوائف الثلاث ، أي جعله للطائفين والعاكفين والمصلّين ، وتنحية المشركين عنه وإبعادهم منه أشدّ إبعاد. وليس المراد بالتطهير تنظيفه عن الأخباث الظاهرة فقط ، كما يظن ، بل التطهير يعني تخصّصه بالأنفس الطاهرة الزكية من