والنواهي ، ولا سيّما التكليف الشاق على كل واحد كذبح ولده إسماعيل الذي كان رشيدا يتمتع بأوصاف كمالية تجعله يحتلّ مرتبة تهيّؤه للنبوّة والإمامة ، فقام بامتثالها بلا فتور ولا تردّد ولا تقصير ، فلمّا أتمّها وأدّى امتحانه ناداه ربّه : يا إبراهيم قد أدّيت ما عليك إذ صدّقت الرؤيا ، وصرت قابلا لأن أجعلك من الآن إماما لعبادي في بلادي. فسرّ إبراهيم بذلك وعرف أن ربّه راض عنه غاية الرّضا ؛ فلذا طلب منه أن يجعل الإمامة في نسله جيلا بعد جيل ، فأجابه تعالى : أمّا من كانت له أهليّة لها فنعم ، وأما من كان ظالما فلا ينال عهدي الذي عاهدتك ـ أي مقام الإمامة والولاية المطلقة ـ. ومن هذا ظهر أن الشرط في الإمام وخليفة المسلمين أن يكون معصوما من أول زمان تكليفه إلى أن يفارق الدنيا ، إن لم نقل بشرطية العصمة فيه من حين تمييزه ، لأنه إن كان قبل تكليفه ظالما فانه يصدق عليه أن يقال بعده كان ظالما ، والآية الكريمة تعني ذلك ، حتى ولو أن الظالم تاب وعلمنا بتوبته.
فلا يجوز أن ينصّب أو أن يرشّح نفسه للخلافة والإمامة. مضافا إلى أن الإمامة أمانة الله وأنها منصب سام لا يجوز أن يتلبّس به من ظلم ، تاب أو لم يتب ، إذ لا بد أن يكون الإمام والخليفة منزّها عن ارتكاب الصغائر. لأنه بناء على القول بأنه لا صغيرة إلّا بالإضافة إلى ما هو أكبر منها يعني أن كل الذنوب بالإضافة إليه تعالى كبيرة وما أردنا بيانه صار واضحا.
أما بالنسبة إلى الإمام والخليفة فنحن نقول بأن لا صغيرة له إلّا وتعدّ كبيرة بالإضافة إليه عليهالسلام وإلى الله عزوجل. لأنه إذا كانت حسناتنا سيّئات الأبرار ، وحسنات الأبرار كانت سيّئات المقرّبين ، فهل يتصوّر أولا أن يصدر عن الإمام ذنب ولو كان صغيرا؟. وعلى فرض صدوره فهل يتصوّر أن يكون ذنب الإمام صغيرا؟. حاشا ثم حاشا .. فلو وجد قائل به فإنه يكشف عن عدم معرفته بالنبيّ والإمام ، وعدم معرفتهما ليس أمرا بدعا حتى يستغربه الإنسان.