واصفحوا. ولما كان العفو والصفح عن اليهود أمرين شاقّين على النبيّ (ص) ، وشاقّين على أصحابه مع ما بيّن من سوء سجيّة اليهود وفساد أخلاقهم ، فقد عقّبه بقوله : أقيموا الصلاة .. للاستعانة على مشقة الأمر بالعفو والصفح ، كما قال واستعينوا بالصبر والصلاة. (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي من صلاة أو صدقة أو فعل حسن (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) أي تجدون ثوابه عند الله سبحانه (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) لا يخفى عليه شيء لأنه يرى الأعمال ، فلا يضيع عنده شيء. ويستفاد من هذه الآيات الشريفة أنه تعالى يريد أن يسلي قلب نبيّه عن صعوبة الصبر على العفو ومشقّة الصفح عن اليهود. وفي ذيل الآية بشّره تلويحا بانتقامه عزوجل من اليهود بقوله : (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) ، أي حتى ينزل قضاؤه فيهم. وتقدّموا ، وتجدوه : مجزومان ب : ما.
١١١ ـ (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) ... عطف على قوله : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) : (إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) هود : جمع هائد من هاد يهود هودا : أي تاب ورجع إلى الله تعالى ، فهو هائد كعائد وعود. وقيل معناه إلا من كان يهودا وحذفت الياء الزائدة. والضمير في قالوا عائد لأهل الكتاب : أي قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلّا من كان نصارى ، لكن (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) تلك إشارة إلى الأماني المذكورة : من أن لا ينزّل عليكم خيرا ، وأن يردّوكم كفارا ، وأن لا يدخل الجنة غيرهم ، وهي أماني : جمع أمنية وآمال باطلة. والجملة معترضة (قُلْ) يا محمد لهؤلاء (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) حجتكم على مقالتكم الفاسدة من اختصاصكم بالجنة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعواكم وقولكم ، إذا ما لا دليل عليه فهو باطل.
١١٢ ـ (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) ... بلى : كلمة تصديق تختص بالإيجاب سواء أوقعت بعد نفي أو إثبات. وفي المقام جاءت لإثبات ما نفاه