قَبْلُ) أي كما طلب يهود عصره واقترحوا عليه من عند أنفسهم أشياء مستحيلة كرؤية الله جهرة وأمثالها (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي من ترك النظر فيما أقامه الله سبحانه من الحجج والبراهين الساطعة الدالة على نبوّة محمد (ص) في القرآن وفي التوراة ، وجحدها عنادا وأنكرها طلبا لحطام الدنيا ، فإنه قد تبدّل الكفر بالإيمان وضل ووقع في تيه الخسران وانحرف عن طريق الحق الموصلة إلى رضوان الله وجنانه ، وصار أمره إلى النار وبئس المصير.
١٠٩ ـ (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ... ودّ : أحب كثير منهم ، كمثل يحيى بن أخطب ، وعبد الله بن صوريّا ومن أشبههما من أحبارهم (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً). رغبوا في إرجاعكم إلى الكفر من بعد الإيمان (حَسَداً) لكم ورغبة في زوال هذه النعمة عنكم. لو : هنا حرف مصدري بمنزلة : أن ، إلا أنها لا تنصب. وهي تقع أكثر ما تقع بعد : ودّ ، يود. وكفارا : نصب بناء على أن مفعول ثان ليردونكم.
فهؤلاء المعاندون من أهل الكتاب يحبون أن تضلّوا كما ضلّوا حسدا لكم (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) أي منبعثا عن أنفسهم الضالة ، لا من جهة ميلهم إلى الحق أو من جهة تديّنهم ، لأنهم يتمنون لكم ذلك (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) أي أنهم عرفوا أنكم على الحق وأنهم على الباطل (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) واسلكوا معهم سبيل العفو وترك العقوبة أو الملامة أو التقبيح لما كان من جهلهم وعداوتهم ، (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) من قتل بني قريظة ، وراء جلاء بني النضير ، وإذلال من سواهم من اليهود ، وكضرب الجزية عليهم وعلى سائر أهل الكتاب (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو مؤكدا ـ قادر على الانتقام منهم عاجلا كما أنه قادر على كل الأمور.
١١٠ ـ (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ... عطف على قوله : واعفوا