شاء ولم يقل : لم يزل مكلما إذا شاء والمتعلق بالمشيئة ـ عند من يقول إنه قديم واجب ـ إنما هو التكليم الّذي هو فعل جائز لا التكلم فبين ذلك أن أحمد ـ رضى الله عنه ـ قال فى الموضع الآخر : لم يزل الله متكلما عالما غفورا. فذكر الصفات الثلاث : الصفة التى هى قديمة واجبة وهى العلم ، والتى هى جائزة متعلقة بالمشيئة وهى المغفرة. فهذان متفق عليهما.
وذكر أيضا التكلم ، وهو القسم الثالث : الّذي فيه نزاع ، وهو يشبه العلم من حيث هو وصف قائم به ، لا يتعلق بالمخلوق ، ويشبه المغفرة من حيث هو متعلق بمشيئته كما فسره فى الموضع الآخر.
فعلم أن قدمه عنده : أنه لم يزل إذا شاء تكلم ، وإذا شاء سكت لم يتجدد له وصف القدرة على الكلام التى هى صفة كمال ، كما لم يتجدد له وصف القدرة على المغفرة وإن كان الكمال هو أن يتكلم إذا شاء ، ويسكت إذا شاء.
وأما قول القاضى : إن هذا قول بحدوثه فيجيبون عنه بجوابين :
أحدهما : ألا يسمى محدثا أن يسمى حديثا ، إذ المحدث هو المخلوق المنفصل وأما الحديث فقد سماه الله حديثا وهذا قول الكرامية وأكثر أهل الحديث.
الثانى : أنه يسمى محدثا كما فى قوله : (مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) وليس بمخلوق. وهذا قول كثير من الفقهاء وأهل الحديث والكلام. لكن المنقول عن أحمد إنكار ذلك ... والإطلاقات قد توهم خلاف المقصود فيقال : إن أردت بقولك محدث أنه مخلوق منفصل عن الله. كما يقوله الجهمية والمعتزلة والنجارية ـ فهذا باطل لا نقوله. وإن أردت بقولك : أنه كلام تكلم الله به بمشيئته ، بعد أن لم يتكلم به بعينه ـ وإن كان قد تكلم بغيره قبل ذلك مع أنه لم يزل متكلما إذا شاء فإنا نقول بذلك. وهو الّذي دل عليه الكتاب والسنة وهو قول السلف (١) اه.
والأدلة على أن الله عزوجل يتكلم متى شاء وأن الكلام متعلق بمشيئته كثيرة.
__________________
(١) مجموع الفتاوى ٦ / ١٥٩ ـ ١٦١.