فمن القرآن الكريم قول الله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) (١) فهذا عند خلقه. وقوله سبحانه وتعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٢) فهذا لأهل الجنة. وقوله : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (٣) فهذا لأهل النار. وفى قول الله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (٤) دلالة قوية فمن الواضح أن التكليم وقع بعد مجىء موسى عليهالسلام.
ومن السنة : ما رواه البخارى (٥) ، ومسلم (٦) عن عدى بن حاتم رضى الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان ...» الحديث.
وبعد ان اتضح اتفاق الكلابية والأشاعرة فى القول : إن كلام الله عزوجل معنى قائم بالنفس وإن لازم له كلزوم الحياة لا يتعلق بمشيئته وتبين خطأ هذا الاتجاه. أعود إلى ما أشرت إليه من أنهم اختلفوا فى أمرين :
فالكلابية يرون : أن كلام الله عزوجل أربعة معان : الأمر والنهى والخبر والاستخبار. وأن الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله خلقت للدلالة على المعنى القائم بذاته.
والأشاعرة يرون : أنه معنى واحد. لا ينقسم ولا له أبعاض ولا له أجزاء فالأمر هو عين النهى والخبر هو عين الاستخبار وكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا إنما ذلك صفات للمعنى الواحد لا أنواع له ، وأن القرآن المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم ليس كلام الله حقيقة بل هو عبارة عن كلام الله النفسى (٧).
__________________
(١) سورة البقرة / ٣٤ والإسراء / ٦١ ، والكهف / ٥٠ ، وطه / ١١٦.
(٢) سورة يس / ٥٨.
(٣) سورة المؤمنون / ١٠٨.
(٤) سورة الأعراف / ١٤٣.
(٥) فى الصحيح ١٣ / ٤٧٤.
(٦) فى الصحيح ٢ / ٧٠٣.
(٧) نظر : الصواعق المرسلة لابن القيم ٢ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.