والحجة الثانية : أنه لو كان مخلوقا لكان قد خلقه إما فى نفسه أو فى غيره ، أو قائما بنفسه.
والأول : ممتنع لأنه يلزم أن يكون محلا للحوادث. والثانى : باطل لأنه يلزم أن يكون كلامه كلاما للمحل الّذي خلق فيه. والثالث : باطل لأن الكلام صفة والصفة لا تقوم بنفسها. فلما بطلت الأقسام الثلاثة تعين أنه قديم (١) وقد تعرض ابن تيمية بالتحليل والنقد لهاتين الحجتين (٢).
وقد نسب ابن تيمية القول بقدم الكلام وامتناع حدوثه إلى القاضى أبى يعلى ابن الفراء. وما وجدته فى كتابيه مختصر المعتمد وإبطال التأويلات يدل على : إثباته لصفة الكلام وأن الله عزوجل يتكلم بحرف وصوت إلا أنه يرى أن كلام الله قديم لا سكت فيه وللزيادة فى الإيضاح أنقل قوله فى إبطال التأويلات (ق : ١٩٧) ـ إذ يقول : «واعلم أنا وإن أثبتنا الحروف والأصوات فلا نقول إن الله يتكلم كلاما بعد كلام لأن ذلك يوجب حدث الكلام الثانى. ولا نقول إن الله تكلم فى الأزل مرة ويتكلم إذا شاء ولا نقول إنه تكلم فى الأزل مرة ثم يتكلم بعد ذلك بل نقول : إن الله لم يزل متكلما ولا يزال متكلما. وأنه قد أحاط كلامه بجميع معانى الأمر والنهى والخبر والاستخبار ... فإن قيل : فقد روى أن الله تعالى يتكلم فى وقت بعد وقت نحو ما روى إن الله تكلم بعد ما خلق ذرية آدم وتكلم لما خلق ذرية آدم وأخذ الميثاق وتكلم بعد أن بعث إبراهيم وبعد أن بعث أيوب وداود.
قيل : معناه أنه يفهم خلقه ويسمعهم كلامه وقتا بعد وقت أو شيئا فشيئا وكذلك الجواب عما روى أن الله يكلم عباده بعد قيام القيامة فقال : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) (٣) وقوله : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) (٤) وقول أهل الجنة له : يا رب ألم تغفر لنا فيقول : بلى. معناه ما
__________________
(١) مجموع الفتاوى ٦ / ٢٩١.
(٢) انظر : نفس المصدر ما بعد ص : ٢٩١.
(٣) سورة المائدة / ١٠٩.
(٤) سورة ق / ٣٠.