وسائر كلام العرب إذا كان لفظا ومعنى (١).
والّذي يتضح من الأدلة أن الله يتكلم بكلام مسموع فكيف يسمع المعنى القائم بالنفس وبعد أن اتضح بطلان ما ذهب إليه كل من الكلابية والأشاعرة فى أن كلام الله معنى قائم فى نفسه. أتعرض الآن لأمر آخر اتفقوا عليه أيضا وهو قولهم : إن كلامه لا يتعلق بمشيئته. فهو لازم له كلزوم الحياة ، فهم يرون أن كلام الله عزوجل قديم قدم الذات فلا يكون حادثا أبدا.
وهذا خلاف قول السلف ـ كما قدمت ـ «فهو سبحانه متكلم فيما لم يزل ولا يزال متكلما بما شاء من الكلام يسمع من يشاء من خلقه ما شاء من كلامه إذا شاء ذلك» (٢).
ولهؤلاء ـ أى الكلابية والأشاعرة ـ حجج نقلية وعقلية أقاموها للاستدلال لرأيهم ، فمن حججهم النقلية :
ما ذكره الله سبحانه وتعالى عن القرآن الكريم بقوله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٣) ومرادهم من الاستدلال بهذه الآية : «أنه كان موجودا قبل الحاجة إليه فى أم الكتاب وفيه الأمر والنهى والخبر والاستخبار (٤). وليس فى الآية دليل على امتناع حدوث كلام الله وإنما فيها دلالة على أن القرآن مكتوب فى أم الكتاب الّذي هو اللوح المحفوظ واللوح مخلوق.
أما حججهم العقلية فقد ذكرها ابن تيمية إذ يقول :
الحجة الأولى : أنه لو لم يكن الكلام قديما للزم أن يتصف فى الأزل بضد من أضداده: إما السكوت وإما الخرس. ولو كان أحد هذين قديما لامتنع زواله. وامتنع أن يكون متكلما فيما لا يزال ، ولما ثبت أنه متكلم فيما لم يزل ثبت أنه لم يزل متكلما.
__________________
(١) شرح العقيدة الطحاوية ص : ١٩٩ ـ ٢٠٠.
(٢) انظر : درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٢ / ٨٨.
(٣) سورة الزخرف / ٤.
(٤) انظر : الأسماء والصفات للبيهقى ص : ٢٢٩.