قلت : ومما احتج به هؤلاء أيضا قول الله تعالى : (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) (١).
وقد أجيب بجوابين :
الأول : أنهم قالوا بألسنتهم قولا خفيا.
والثانى أنه قيده بالنفس فإن دلالة المقيد خلاف دلالة المطلق. فالكلام المطلق يتناول اللفظ والمعنى جميعا.
والجواب الثانى يجاب به أيضا على القول المأثور عن عمر (٢).
يقول شارح الطحاوية : ويرد قول من قال : بأن الكلام المعنى القائم بالنفس : قولهصلىاللهعليهوسلم : «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» (٣) ، وقال : «إن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإنما أحدث أن لا تكلموا فى الصلاة» (٤). واتفق العلماء على أن المصلى إذا تكلم فى الصلاة عامدا لغير مصلحتها بطلت صلاته. واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب ـ لا يبطل الصلاة وإنما يبطلها التكلم بذلك فعلم باتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام. وأيضا فى الصحيحين عن النبيصلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها ، ما لم تتكلم به أو تعمل به» (٥) فقد أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم ففرق بين حديث النفس وبين الكلام ، وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به ، والمراد : حتى ينطق به اللسان ، باتفاق العلماء. فعلم أن هذا هو الكلام فى اللغة لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب ... فلفظ القول والكلام وما تصرف منهما من فعل ماضى ومضارع وأمر واسم فاعل ـ : إنما يعرف فى القرآن والسنة
__________________
(١) سورة المجادلة / ٨.
(٢) انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية ١٥ / ٣٥.
(٣) تقدم تخريجه. انظر : ص : ١٩٧ ، ٢٩٧.
(٤) أخرجه أحمد ١ / ٤٠٩ ، ٤١٥ ، ٤٣٥ ، وأبو داود ١ / ٥٦٨ ، والنسائى ٣ / ١٩ وغيرهم. وعلقه البخارى فى صحيحه. انظر : فتح البارى ١٣ / ٤٩٦.
(٥) عند البخارى فى كتاب الأيمان والنذور ، فتح البارى ١١ / ٥٤٨ ـ ٥٤٩ ، وعند مسلم فى كتاب الإيمان. صحيح مسلم ١ / ١١٦.