كما أن من يعلم ويقدر أكمل ممن لا يعلم ولا يقدر ، والّذي يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن لا يعلم ولا يقدر ، والّذي يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن لا يتكلم بمشيئته وقدرته ، وأكمل ممن تكلم بغير مشيئته وقدرته إن كان ذلك معقولا. ثم يقول : إن إثبات كلام يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته غير معقول ولا معلوم ، والحكم على الشيء فرع عن تصوره. فيقال للمحتج بها : لا أنت ولا أحد من العقلاء يتصور كلاما يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته فكيف تثبت بالدليل المعقول شيئا لا يعقل ... وأيضا : فالكلام القديم النفسانى الّذي أثبتموه لم تثبتوا ما هو. بل ولا تصور تموه وإثبات الشيء فرع من تصوره ، «فمن لم يتصور ما يثبته كيف يجوز أن يثبته (١)»؟ ولهذا كان سعيد بن كلاب رأس هذه الطائفة وإمامها فى هذه المسألة لا يذكر فى بيانها شيئا يعقل. بل يقول : هو معنى يناقض السكوت والخرس والسكوت والخرس إنما يتصوران إذا تصور الكلام ، فالساكت هو الساكت عن الكلام ، والأخرس هو العاجز عنه ، أو الّذي حصلت له آفة فى محل النطق تمنعه عن الكلام وحينئذ فلا يعرف الساكت والأخرس حتى يعرف الكلام ، ولا يعرف الكلام حتى يعرف الساكت والأخرس ، فتبين أنهم لم يتصوروا ما قالوه ولم يثبتوه ، بل هم فى الكلام يشبهون النصارى فى الكلمة وما قالوه فى «الأقانيم» و «التثليث» و «الاتحاد» فإنهم يقولون ما لا يتصورونه ولا يبينونه ، والرسل عليهمالسلام إذا أخبروا بشيء ولم نتصوره وجب تصديقهم وأما ما يثبت بالعقل فلا بد أن يتصوره القائل به وإلا كان قد تكلم بلا علم ... ولهذا كان مما يشنع به على هؤلاء أنهم احتجوا فى أصل دينهم ومعرفة حقيقة الكلام ـ كلام الله ، وكلام جميع الخلق بقول شاعر نصرانى ... وقد قال طائفة : إن هذا ليس من شعره وبتقدير أن يكون من شعره فالحقائق العقلية ، أو مسمى لفظ الكلام الّذي يتكلم به جميع بنى آدم لا يرجع فيه إلى قول ألف شاعر فاضل ، دع أن يكون شاعرا نصرانيا ... (٢). ا ه.
__________________
(١) سيأتى توضيح لهذه الجملة فى نفس كلام ابن تيمية هذا.
(٢) انظر : مجموع الفتاوى ٦ / ٢٩٤ ـ ٢٩٧.