هذه مقالات المخالفين فى هذه المسألة العظيمة سنتعرض لبعضها بالتحليل والنقد. فأقول وبالله التوفيق : ـ
أما القول الأول : فهو أفسد الأقوال وأعظمها بهتانا وكفرا. قال عزوجل : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) (١).
وبطلان قول هؤلاء واضح لذا فلست بحاجة إلى التوسع فى نقضه.
وأصحاب القول الثانى : الجهمية والمعتزلة. أنكروا صفة الكلام وقالوا : إن معنى كونه متكلما أى خالقا للكلام فى غيره (٢).
وقد بينت بطلان هذا الكلام ونقلت عن الإمام أحمد وغيره ما يدحضه (٣).
أما القول الثالث : فهو للكلابية والأشاعرة ـ وبينهما فى هذه المسألة فرق فى أمرين سأبينهما إن شاء الله ـ إلا أنهم متفقون على : إنكار أن يكون لله كلاما حقيقيا. بل يرون أنه معنى قائم بالذات لا يتعلق بالقدرة والمشيئة بل هو لازم للذات لزوم الحياة والعلم.
ويحتجون على هذا بما روى عن عمر فى خبر بيعة الصديق وفيه : فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر رضى الله عنهما فكان عمر يقول : والله ما أردت بذاك إلا أنى قد هيأت كلاما أعجبنى. وفى رواية : كنت قد زورت مقالة أعجبتنى. فسمى تزوير الكلام فى نفسه كلاما قبل التلفظ به (٤).
كما تمسكوا بقول الشاعر ـ النصرانى ـ الأخطل فى البيت المنسوب إليه :
إن الكلام لفى الفؤاد وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
يقول ابن تيمية : الكلام صفة كمال ، فإن من يتكلم أكمل ممن لا يتكلم ،
__________________
(١) سورة الشورى / ٥١.
(٢) انظر : شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص : ٥٢٨.
(٣) انظر : ص : ١٨٣ ، ٢٩٠.
(٤) انظر : الأسماء والصفات للبيهقى ص : ٢٧٢ ، والإرشاد إلى قواطع الأدلة فى أصول الاعتقاد للجوينى ص : ١٠٤.