لكن إذا كان أحدهما أصلا سابقا إلى ذلك الكلام والآخر إنما احتذى فيه حذوه ومثاله : كان اللفظ والكلام منسوبا إلى الأول بمنزلة من تمثل بقول لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
أو بمثل من الأمثال السائرة كقوله : (... كل الصيد فى جوف الفراء) ونحو ذلك فهذا الكلام هو تكلم به فى المعنى الّذي أراده ، لا على سبيل التبليغ عن غيره ، ومع هذا فهو منسوب إلى قائله الأول. فهكذا الحروف الموجودة فى كلام الله وإن أدخلها الناس فى كلامهم الّذي هو كلامهم فأصلها مأخوذ من كلام الله.
قال الأولون هنا مقامان :
أحدهما : أن كل من أنطقه الله بهذه الحروف فإنما كان ذلك بطريق الاستفادة من كلام الله أو من استفادها من كلام الله. وهذه الدعوة العامة تحتاج إلى دليل فإن تعليم الله لآدم الأسماء أو إنزاله كتبه بهذه الحروف لا يوجب أن يكون لم ينطق غير آدم ممن لم يسمع الكتب المنزلة بهذه الحروف كما كانت العرب تنطق بهذه الحروف والأسماء قبل نزول القرآن ، والله تعالى أنزله بلسانهم الّذي كانوا يتكلمون به قبل نزول القرآن.
المقام الثانى : أنه لو لم يكن أحد نطق بها إلا مستفيدا لها من كلام الله لكن إذا أنشأ بها كلاما لنفسه ولم يقصد بها قراءة كلام الله لم تكن فى هذه الحال من كلام الله كما لو فعل ذلك فى بعض الجمل المركبة وأولى ويدل على ذلك الأحكام الشرعية.
قال الآخرون ـ القائلون بأن حروف المعجم غير مخلوقة مطلقا ـ لنا فى الأسماء الموجودة فى غير القرآن قولان. منهم من يقول بأن جميع الأسماء غير مخلوقة كما يقول ذلك فى الحروف ، ومنهم من لا يقول ذلك ، وقد حكى القولين ابن حامد وغيره عمن ينتسب إلى مذهب الإمام أحمد وغيره من القائلين بأن حروف المعجم غير مخلوقة فمن عمم ذلك استدل بقوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) وهذه الحجة مبينة على مقدمتين :