إحداهما : أن مبدأ اللغات توقيفية وأن المراد بالتوقيف خطاب الله بها لا تعريفه بعلم ضرورى وهذا الموضع قد تنازع فيه الناس من أصحاب الإمام أحمد وسائر الفقهاء وأهل الحديث والأصول.
فقال قوم : إنها توقيفية وهو قول أبى بكر عبد العزيز (١) والشيخ أبى محمد المقدسى (٢) وطوائف من أصحاب الإمام أحمد وهو قول الأشعرى (٣) وابن فورك (٤) وغيرهما.
وقال قوم : بعضها توقيفى وبعضها اصطلاحى وهذا قول طوائف منهم ابن عقيل (٥) وغيره.
وقال قوم : يجوز فيها هذا وهذا ولا نجزم بشيء. وهذا قول القاضى أبى يعلى والقاضى أبى بكر بن الباقلانى (٦) وغيرهما. ولم يقل : إنها كلها اصطلاحية إلا طوائف من المعتزلة ومن اتبعهم ورأس هذه المقالة أبو هاشم بن الجبائى (٧). والذين قالوا إنها توقيفية تنازعوا : هل التوقيف بالخطاب أو بتعريف ضرورى أو كليهما ، فمن قال : إنها توقيفية والتوقيف بالخطاب فإنه ينبنى على ذلك أن يقال : إنها غير مخلوقة لأنها كلها من كلام الله تعالى ، لكن نعلم قطعا أن فى أسماء الأعلام ما هو مرتجل وضعه الناس ابتداء فيكون التردد فى أسماء الأجناس.
وأيضا فإن تعليم الله لآدم بالخطاب لا يوجب بقاء تلك الأسماء بألفاظها فى ذريته بل المأثور أن أهل سفينة نوح لما خرجوا من السفينة أعطى كل قوم لغة وتبلبلت ألسنتهم. وهذه المسألة فيها تجاذب والنزاع فيها بين أصحابنا وسائر أهل السنة يعود إلى نزاع لفظى فيما يتحقق فيه النزاع وليس بينهم والحمد لله خلاف محقق معنوى. وذلك أن الّذي قال الحرف حرف واحد وأن حروف
__________________
(١) غلام الخلال. تقدمت ترجمته ص : ٤٤.
(٢) لعله : ابن قدامة.
(٣) سبقت ترجمته ص : ٧٤.
(٤) المتكلم محمد بن الحسن انظر سير أعلام النبلاء ١٧ / ٢١٤.
(٥) ستأتى ترجمته ص : ٣٥٥.
(٦) سبقت ترجمته ص : ٥٣.
(٧) عبد السلام بن محمد المعتزلى انظر سير أعلام النبلاء ١٥ / ٦٣.