فى هذه المسألة إلا أنى أريد تسليط مزيد من البحث حول الفرق المخالفة فأقول وبالله التوفيق:
إن الجعد بن درهم هو أول من نطق بهذه البدعة ثم تلقفها عنه الجهم بن صفوان فتولى إظهارها والدعوة إليها فنسبت إليه (١) وأصبح القول بخلق القرآن أشد التصاقا بالجهم وأتباعه ، ثم تولى أمر هذه البدعة المعتزلة وأرادوا إجبار الناس على اعتقادها مستخدمين السلطة كما قدمنا (٢).
وقد أخذ هؤلاء بآيات زعموا أن فيها دلالة على صحة قولهم ومن تلك الآيات قول الله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (٣) وقوله عزوجل : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (٤) (٥) وقد أجاب الإمام أحمد على شبههم ونقض مزاعمهم (٦). والحقيقة أن أهل الكلام بصفة عامة احتكموا إلى العقول المجردة فى قضايا العقيدة ، وعرضوا القضايا العقدية عليها فما وافقها ـ بادعائهم ـ أخذوه وما خالفها رفضوه أو أولوه. لذلك نجد تخبطهم فى مسائل العقيدة. وذلك بخلاف أهل السنة والجماعة الذين اعتبروا الكتاب والسنة هما المصدران اللذان يجب الأخذ عنهما فى أمور العقيدة وغيرها. مع أنه ليس هناك أي تعارض بين العقل والشرع إلا أن هنالك أمورا هي فوق قدرة العقل وإمكاناته ولا يمكن للعقل بحال تمييزها أو الوقوف على كنهها. فأهل السنة عند ما قالوا إن القرآن كلام الله عزوجل غير مخلوق استندوا فى ذلك إلى الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك وعلى أن الكلام صفة لله عزوجل وصفاته تبارك وتعالى غير مخلوقة ، وأيضا الآيات والأحاديث دلت على أن الله عزوجل
__________________
(١) انظر مجموع الفتاوى : ١٢ / ١١٩.
(٢) انظر : ص : ١٩٠.
(٣) سورة الأنبياء / ٢.
(٤) سورة الزخرف / ٣.
(٥) انظر : شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص : ٥٢٨.
(٦) وسيأتى مزيد من النقض لهذه المزاعم عند الكلام عن : قول الإمام أحمد فى صفة الكلام ص : ٢٨٧. قول الإمام أحمد فى مسألة الحرف والصوت : ٣٠٢.