عيسى بكن وليس عيسى هو كن ، فالكن من قول الله وليس كن مخلوقا ، وكذبت النصارى والجهمية على الله تعالى فى أمر عيسى وذلك أن الجهمية قالوا : روح الله وكلمته إلا أن كلمته مخلوقة وقالت النصارى : عيسى روح الله من ذات الله وكلمة الله من ذات الله كما يقال إن هذه الخرقة من هذا الثوب قلنا نحن : إن عيسى بالكلمة كان (ق ١٩ / أ) وليس هو الكلمة وإنما الكلمة قول الله قوله : (وَرُوحٌ مِنْهُ) يقول : من أمره كان الروح فيه كقوله : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (١) يقول : من أمره وتفسير روح الله إنما معناها روح بكلمة الله خلقها الله كما يقال : عبد الله وسماء الله وأرض الله (٢).
ثم إن الجهمى ادعى أمرا آخر قال : إن الله يقول : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (٣) فزعم أن القرآن لا يخلو أن يكون فى السماء أو فى الأرض أو فيما بينهما فشبه على الناس ولبس عليهم.
فقلنا لهم : أليس إنما أوقع الله عزوجل الخلق على المخلوق ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما فقالوا : نعم. قلنا : فهل فوق السموات شيء مخلوق قالوا : نعم. قلنا : فإنه لم يجعل ما فوق (٤) السموات من الأشياء المخلوقة وقد عرف أهل العلم أن فوق السموات السبع الكرسى والعرش واللوح المحفوظ والحجب وأشياء كثيرة ولم يسمها ولم يجعلها من الأشياء المخلوقة ، وإنما وقع الخبر من الله عزوجل على السموات والأرض وما بينهما. فقلنا : فيما الدعوى أن
__________________
(١) سورة الجاثية / ١٣.
(٢) فى قول الله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) دلالة عظيمة على أن القرآن كلام الله عزوجل وغير مخلوق فكن غير مخلوقه والكائن بها مخلوق انظر : رد الدارمى على بشر المريسى ص : ١٤٨. يقول أبو الحسن الأشعرى رحمهالله تعالى : «فلو كان القرآن مخلوقا لوجب أن يكون مقولا له كن فيكون ، ولو كان الله عزوجل قائلا للقول كن كان للقول قولا وهذا يوجب أحد أمرين : إما أن يؤول إلى أن قول الله غير مخلوق ، أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى غاية وذلك محال ، وإذا استحال ذلك صح وثبت أن لله عزوجل قولا غير مخلوق. الإبانة له ص : ١٩ ـ ٢٠ ونحوه ذكره البيهقى فى الاعتقاد ص : ٥٦ ـ ٥٧.
(٣) سورة السجدة / ٤.
(٤) فى الأصل : «لم يجعل ما فى السموات» وما أثبته كما فى المطبوع وهو الصواب.